ثالثاً: فإن سألتَ ؛ ألا يمكن الاستعانة بالبحوث الأثرية واكتشافاتها لنعرف منها زمن بداية وجود الإنسان على هذه الأرض ؟ فالجواب: هذه البحوث الأثرية ؛ وإن كانت تعتمد على تقنيات تستطيع تحديد عمر المكتشفات الأثرية إلا أنه تبقى هناك عقبات: العقبة الأولى: هذه التقنيات لا تستطيع أن تعطي زمن المكتشفات الموغلة في القدم بالدقة المطلوبة ، وكلما كان الأثر أكثر قِدماً ، زادت نسبة الخطأ وصعب معرفة تاريخها. العقبة الثانية: أن عملية الجمع بين هذه المكتشفات وتحليلها والمنهج المتبع للوصول إلى النتائج المرجوة منها ، هي كلها اجتهادات بشرية قابلة للخطأ والصواب ، ومعرضة لدخول الأهواء والاعتقادات فيها والتلاعب بنتائجها ، ولا يمكن لأحد من أصحاب هذه المناهج أن يزعم أن ما توصل إليه من نتائج هي حقائق علمية مطلقة ، قامت عليها البراهين التي يجب على الجميع التسليم بها. كم من السنين عاشها نوح بعد الطوفان؟ - كتاب مدارس النقد والتشكيك والرد عليها | St-Takla.org. العقبة الثالثة: أن ما توصلوا إليه من نظريات معرضة للتغيير أو للبطلان مع كل اكتشاف جديد ، والإنسان لم يحط علماً بكل ما في باطن الأرض من آثار. والذي على المسلم أن يعتقده هو ما دلت عليه النصوص الشرعية ؛ أن لهذا الإنسان بداية على هذه الأرض ، وأن الله خالقه بعد أن كان عدماً ، وأن بداية هذا النوع الإنساني: هو آدم عليه السلام ، أبو البشرية.
وأما زمن وجوده فهو من علم الغيب الذي لا ندركه ، ومن جزم بشيء من ذلك فهو رجم بالغيب وقول بلا علم. والله أعلم.
الأمر الثاني: أن هناك حقباً تاريخية مجهولة لا نعلمها ، ولا نعلم من عاش فيها ولا مدتها الزمنية. فمثلاً المدة بين آدم ونوح عليهما السلام لا نستطيع القطع بمقدارها ، ولا نعلم شيئاً عن حالها ، وحال أهلها ، وقد ورد أن هذه المدة كانت عشرة قرون ، ولكن هذا ليس نصًّا في تحديدها ، لما سيأتي. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: " روى الحافظ أبو حاتم بن حبان في " صحيحه ": عن أبي أمامة رضي الله عنه ( أن رجلاً قال: يا رسول الله ، أنبي كان آدم ؟ قال: نعم ، مُكَلَّم. قال: فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال: عشرة قرون). قلتُ ( ابن كثير): وهذا على شرط مسلم ، ولم يخرجه... كم عاش سيدنا نوح – المنصة. وعن ابن عباس قال: " كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام ". فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ، كما هو المتبادر عند كثير من الناس ، فبينهما ألف سنة لا محالة ، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام ؛ إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام ، لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون ، وزادنا ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الإسلام. وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ ، وغيرهم من أهل الكتاب ، أن قابيل وبنيه عبدوا النار ، والله أعلم.