وهذه الساعة هي آخِر ساعة بعد العصر، يعظِّمها جميع أهل الملل. وعند أهل الكتاب هي ساعة الإِجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنُهم. وأما من قال بتنقلها، فرام الجمع بذلك بين الأحاديث، كما قيل ذلك في ليلة القدر ، وهذا ليس بقوي، فإن ليلةَ القدر قد قال فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « فالتَمِسُوها في خَامِسَةٍ تَبْقَى، في سَابِعَةٍ تَبقَى، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى »، ولم يجىء مثلُ ذلك في ساعة الجمعة. وأيضًا فالأحاديث التي في ليلة القدر، ليس فيها حديثّ صريح بأنها ليلة كذا وكذا، بخلاف أحاديث ساعة الجمعة، فظهر الفرق بينهما. ساعة الإستجابة في يوم الجمعة - زاد المعاد - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. وأما قول من قال: إنَها رُفعت، فهو نظيرُ قول مَن قال: إن ليلة القدر رُفِعَت، وهذا القائل، إنْ أراد أنَّها كانت معلومة، فرفع علمُها عن الأمة، فيقال له: لم يُرفع علمها عن كُلِّ الأمة، وإن رُفعَ عن بعضهم، وإن أراد أن حقيقتها وكونَها ساعة إجابة رفِعَتْ، فقولٌ باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة، فلا يعول عليه. والله أعلم.
القول الثاني: ساعة الإجابة بعد صلاة العصر. وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق. وحجة هذا القول ما روى أحمد في «مسنده» من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنَّ في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه، وهي بعد العصر». وروى أبو داود والنسائي عن جابر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعةً، فيها ساعة لا يوجد مسلمٌ يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه، فالتمِسوها آخرَ ساعة بعد العصر». ان في الجمعة ساعة برمجة. وروى سعيد بن منصور في «سننه» عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا، ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. [وإسناده صحيح]. وروى سعيد بن منصور في «سننه» عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا، ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. [صححه ابن حجر]. ومن الأدلة من آثار الصحابة والتابعين الأجلاء التي يقوي القول الثاني ما يأتي: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الساعة التي تُذكَر يوم الجمعة: ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وكان سعيد بن جبير إذا صلَّى العصر لم يكلِّم أحدًا حتى تغرب الشمس.
فينبغي الإكثار في يوم الجمعة من الدعاء رجاء أن يصادف هذه الساعة المباركة، ولكن ينبغي أن تحظى الأوقات الثلاثة المذكورة آنفا بمزيد من العناية؛ لأن الرسول ﷺ قد نص على أنها ساعة الإجابة. والله ولي التوفيق [1]. من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته بعد تعليقه على ندوة في الجامع الكبير بالرياض بعنوان: الجمعة ومكانتها في الإسلام بتاريخ 16/5/1402هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 25/ 197). فتاوى ذات صلة