وكان كثير من السلف يكره أن يُطلب منه الدعاء ويقول لمن يسأله: أي شيء أنا، وكتب رجل إلى الإمام أحمد يسأله فقال: إذا دعونا نحن لهذا فمن يدعو لنا[18]. يمشون على الأرض هونًا: ومن أعمال تواضع المرء عند نفسه: عدم التبختر أو الخيلاء عند المشي، بل كما وصف الله عز وجل عباده: ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان: 63]. ومنها كذلك عدم التشدق أو التقعر بالكلام. ومنها الأكل على الأرض، وعدم الجلوس متكئًا كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها تقصير الثوب، وعدم جره خيلاء، ومنها لبس الدون من الثياب في بعض الأوقات، وقال صلى الله عليه وسلم: " من ترك اللباس تواضعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان يلبسها[19]. ص379 - كتاب عيون الأخبار - التواضع - المكتبة الشاملة. ولقد كان عبد الرحمن بن عوف لا يُعرف من بين عبيده[20]، أي من تواضعه في الزي. وهنا أمر ينبغي الإشارة إليه فيما يخص اللباس: فالكثير من الناس يحب أن يكون ملبسه حسنًا، وهيئته حسنة، وذلك بدافع فطري، وهذا أمر لا غبار عليه: قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ". فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا، قال: " إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس"[21].
وقد قيل: لمحبرة تجالسني نهاري أحبُّ إليَّ مِن أنس الصَّديق ورزمة كاغد في البيت عندي أعزُّ إليَّ مِن عدل الرَّقيق ولطمة عالم في الخدِّ منِّي ألذُّ إليَّ مِن شرب الرَّحيق [796] الرحيق: من أسماء الخمر معروف؛ قال ابن سيده: وهو من أعتقها وأفضلها. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (10/114). وقال الشَّافعي: غضب الأعمش يومًا على رجل مِن الطَّلبة، فقال آخر: لو غضب عليَّ مثلك لم أعد إليه. فقال له الأعمش: إذًا هو أحمق مثلك، يترك ما ينفعه لسوء خلقي. ذكره البيهقي [797] ((الآداب الشَّرعية)) لابن مفلح (2/111-115). أحيانًا تسمع من بعض المبتدئين في العلم -ممن لا يقدر للعلماء السابقين قدرهم، ولا يعرف منزلتهم وفضلهم- ربما تسمع منه متطاولًا: هم رجال، ونحن رجال. فأولى بهذا المسكين أن يعرف قدر نفسه، وأن يقرأ سير هؤلاء العلماء؛ ليعرف من هو ومن هم؛ في الحفظ والقراءة والعلم والتعليم والعمل والعبادة، ففرق بين الثرى والثريا. فإذا كان هذا القول لا يقبل من العلماء أو من طلبة العلم الكبار في هذا الزمان فكيف بطلاب العلم الصغار والمبتدئين؟! من امثلة التواضع - حياتكِ. يقولون: هذا عندنا غير جائز!! ومَن أنتم حتى يكون لكم (عندُ)!!