قال: كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل... لا أقول ذلك تزكية لنفسي؛ فالله أعلم مني بي، وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك. فقالت: الحمد لله الذي جعلك على ما يحب و أُحب... اقترب مني يا بني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك. بعض المواقف من حياتها مع التابعين: يقول ابن عيينة: حدثنا أبو المحياة، عن أمه، قال: لما قَتَلَ الحجاجُ ابنَ الزبير دَخَلَ على أسماء وقال لها: يا أمه، إن أمير المؤمنين وصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة; ولكن أحدثك: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يخرج في ثقيف كذاب، ومبير، فأما الكذاب، فقد رأيناه - تعني المختار - وأما المبير، فأنت. فقال لها: مبير المنافقين!! اسماء بنت ابو بكر الصديق. أثرها في الآخرين كانت رضي الله عنها تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبردوها بالماء، فإنها من فيح جهنم. وفي وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بالمزدلفة: عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها {أنها قالت: أي بني، هل غاب القمر ليلة جمع؟ وهي تصلي، ونزلت عند المزدلفة.
وظلت تتمنى ألا تموت حتى يدفع إليها ابنها لتغسله وتدفنه، حتى جاء كتاب عبدالملك بن مروان أن يدفع بعبدالله إلى أهله، فأتي به أسماء فغسلته وطيبته ثم حنطته، وصلت عليه ثم دفنته، ثم ماتت بعده بأيام في آخر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وكانت قد فقدت بصرها، واختلف في مكثها بعد ابنها عبدالله، فقيل: عاشت بعده عشرة أيام، وقيل: عشرين، وقيل: بضعة وعشرين يوما، وقد بلغت مائة سنة، ولم يسقط لها سن، ولم ينكر لها عقل، وكانت آخر من مات من المهاجرين والمهاجرات.
هاجرت هي وزوجها الزبير إلى المدينة وهي حامل بعبدالله بن الزبير، فوضعته بقباء، أول مقدمهم المدينة، فهاجر وهو جنين، وكان أول مولود في الإسلام بالمدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وحُمِل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوفه ريقه صلى الله عليه وسلم، وحمله المسلمون وطافوا به المدينة مهللين مكبرين. سخاؤها ومروياتها كانت أسماء بنت أبي بكر سخية النفس، ويروى أن عبدالله بن الزبير قال: ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء؛ وجودهما مختلف: أما عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء، فكانت لا تدخر شيئاً لغد، وكانت رضي الله عنها إذا مرضت أعتقت كل مملوك لها. وكانت رضي الله عنها تؤثر رضا الله تعالى، وتجعل دونه كل رضا، ويروى أن أمها قتيلة بنت عبدالعزى، وكانت مشركة، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، قدمت عليها بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها إلى بيتها، وقالت لأمها: لا أقبلها حتى يأذن لي رسول الله، ولا تدخلي علي، وأرسلت من فورها إلى أختها عائشة، قالت: سلي رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لتدخلها ولتقبل هديتها، فأدخلتها أسماء، وقبلت هديتها، وأنزل الله تبارك وتعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)، إلى قوله: (ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) (الممتحنة: 9).
وكانت رضي الله عنها تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فتحفظه وتعلمه غيرها، قال النووي رحمه الله: "رُوى لأسماء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة وخمسون حديثًا. قصه اسماء بنت ابو بكر الصديق. روى عنها عبد الله بن عباس، وابناها عبد الله وعروة، وعبد الله بن أبى مليكة، وغيرهم ". أسماء نموذج الزوجة المُسلمة: رغم انشغالها رضي الله عنها بتعليم النساء وتفقيههن في أمور دينهن، إلا أنها لم تقصر في رعاية شؤون بيتها وخدمة زوجها (الزبير بن العوام رضي الله عنه)، فقد كانت رضي الله عنه تقوم بخدمة فرسه، تحمل النوى فوق رأسها وتعلفه وتسقيه،إذ لم يكن في بيتها خادم في ذلك الوقت، فقد كان الزبير لايملك إلا فرسه وسيفه الذين يجاهد بهما، كانت رضي الله عنها تخدم فرس الزبير وهي من هي في شرفها وعلو قدرها. قالوا عن أسماء بنت أبي بكر: قال عنها زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه " ما رأيت امرأة قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما مختلف: أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيئا لغدٍ " وقالت عنها فاطمة بنت المنذر " إن أسماء كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها ". وفاة أسماء بنت أبي بكر: توفيت أسماء رضي الله عنها في العام الثالث والسبعين من الهجرة وقد عمرت دهرا صالحا وأضرت ( صارت ضريرة) في آخر عمرها وقد كانت وفاتها بعد مقتل ابنها عبد الله بقليل وبلغت من العمر مائة سنة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل رحمها الله.