قلنا: الجواب عنه من وجهين: الأول: جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعًا قبل نزول القرآن بها ومأمورًا به بعد نزول القرآن بها، والثاني: أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما في كون كل واحد منهما مسؤولًا عنه شيء واحد، فلهذا الوجه حسن اتحاد الضمير وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين. الوجه الثالث في تأويل الآية: إن قوله: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء} دل على سؤالاتهم عن تلك الأشياء، فقوله: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا} أي وإن تسألوا عن تلك السؤالات حين ينزل القرآن يبين لكم أن تلك السؤالات هل هي جائزة أم لا، والحاصل أن المراد من هذه الآية أنه يجب السؤال أولًا، وأنه هل يجوز السؤال عن كذا وكذا أم لا. اهـ.. قال الثعلبي: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ} تسؤكم لأن القرآن إنما ينزل بإلزام فرض فيشق عليكم أو شيء كان حلالًا لكم. قال ابن عطية: وقوله تعالى: {وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} قال ابن عباس: معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوء، كما قيل للذي قال أين أنا؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذٍ إن سألتم عن تفصيله وبيانه بين لكم وأبدى؟.
{وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم} قال ابن عباس معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوءكم، مثل الذي قال من أبي؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ إن سألتم عن بيانه بين لكم وأبدى انتهى. قال ابن عطية: فالضمير في قوله: {عنها} عائد على نوعها لا على الأول التي نهى عن السؤال عنها. قال: ويحتمل أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم غب ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار انتهى. وقال الزمخشري {وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن} أي عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي وهو ما دام الرسول بين أظهركم يوحى إليه {تبد لكم} تلك التكاليف {التي تسوءكم} وتؤمروا بتحملها فتعرّضوا أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها انتهى.
ثم قال تعالى: {والله غَفُورٌ حَلِيمٌ} وهذه الآية تدل على أن المراد من قوله عفا الله عنها ما ذكرناه في الوجه الأول. قال ابن عطية: وقوله تعالى: {عفا الله عنها} تركها ولم يعرف بها، وهذه اللفظة التي هي {عفا} ، تؤيد أن الأشياء التي هي في تكليفات الشرع، وينظر إلى ذلك قول النبي عليه السلام إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل، و {غفور حليم} صفتان تناسب العفو وترك المباحثة والسماحة في الأمور. قال ابن عاشور: وقوله: {عفا الله عنها} يحتمل أنّه تقرير لمضمون قوله: {وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبدَ لكم} ، أي أنّ الله نهاكم عن المسألة وعفا عنكم أن تسألوا حين ينزّل القرآن. وهذا أظهر لعوذ الضمير إلى أقرب مذكور باعتبار تقييده {حين ينزّل القرآن}. ويحتمل أن يكون إخبارًا عن عفوه عمّا سلف من إكثار المسائل وإحفاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لأنّ ذلك لا يناسب ما يجب من توقيره. قال ابن عطية: قرأ عامة الناس {قد سَألها} بفتح السين، وقرأ إبراهيم النخعي {قد سِألها} بكسر السين، والمراد بهذه القراءة الإمالة، وذلك على لغة من قالت سلت تسأل، وحكي عن العرب هما يتساولان، فهذا يعطي هذه اللغة هي من الواو لا من الهمزة فالإمالة إنما أريدت وساغ ذلك لانكسار ما قبل اللام في سلت كما جاءت الإمالة في خاف لمجيء الكسرة في خاء خفت، ومعنى الآية أن هذه السؤالات التي هي تعنيتات وطلب شطط واقتراحات ومباحثات قد سألتها قبلكم الأمم ثم كفروا بها قال الطبري كقوم صالح في سؤالهم الناقة وكبني إسرائيل في سؤالهم المائدة.