ويقول عبد الله بن أحمد بن حنبل: "كان أبي يقرأ كل ليلة أو كل يوم سبعًا، وكان ينام نومة خفيفة بعد العشاء، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو" [18]. وجاء عن المروذي قال: "رأيت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل -رحمه الله- يقوم لورده قريبًا من نصف الليل حتى يقارب السحر، ورأيته يركع فيما بين المغرب والعشاء [19] ، يعني كانوا يعتقدون يعني يرون أن مثل هذا الوقت بين المغرب والعشاء وقت غفلة الناس، يغفلون فيه عن العبادة، فكانوا يصلون في مثل هذا الوقت. أسأل الله أن يعيننا وإياكم على أنفسنا، وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/64)، والزهد لأحمد بن حنبل (ص: 143)، وسير أعلام النبلاء (4/602). سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8/35). سير أعلام النبلاء (8/172). سير أعلام النبلاء (8/421). سير أعلام النبلاء (8/397). انظر: صفة الصفوة (2/99)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/481)، وسير أعلام النبلاء (9/148). سير أعلام النبلاء (9/199). هذا أوان الشد فاشتدي زيم – e3arabi – إي عربي. صفة الصفوة (2/11)، وسير أعلام النبلاء (9/361). صفة الصفوة (2/11). انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (29/436). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (9/318)، وصفة الصفوة (2/411)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال (20/331)، وسير أعلام النبلاء (9/585).
ودخل علي بن المديني على امرأة عبد الرحمن بن مهدي يقول: "فرأيت سوادًا في القبلة، فقلت: ما هذا؟ -هؤلاء أئمة السنة أئمة الدنيا في زمانهم- فقلت: ما هذا؟ قالت: موضع استراحة عبد الرحمن كان يصلي بالليل فإذا غلبه النوم وضع جبهته عليه [7]. ويقول عاصم بن علي: كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع، فأما يزيد فكان إذا صلى العتمة -يعني العشاء- لا يزال قائمًا حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء، نيفًا وأربعين سنة [8]. وجاء عن إسماعيل الصائغ قال رجل ليزيد بن هارون: كم حزبك؟ قال: وأنام من الليل شيئًا؟ إذن لا أنام الله عيني! [9]. في مثل هذا الليل. وذكرت في بعض المناسبات أن مثل هذه الأشياء من الناس من لا يوفق في النظر إليها، فلا ينتفع، بمعنى أنه ينظر إليها نظرًا سلبيًا، والنظر السلبي إما أنه ينظر إلى شيء من المخالفة كالذي يقول مثلاً: هذا إحياء لجميع الليل، هذا خلاف السنة، ويذهب عليه يفوته موطن العبرة، وهذا خلاف الصواب. ومن الناس من ينظر بنظر سلبي آخر فيقول: إذا كان الأمر كذلك هؤلاء يصلون هذه الصلاة الطويلة، وبهذه الطريقة أين نحن من هؤلاء؟! إذن لا فائدة، فيصاب بشيء من الإحباط، فيترك مجاهدة النفس والعمل، يقول: لا يمكن أن ندرك هؤلاء، وهذا خطأ أيضًا، الإنسان حينما يرى مثل هذه النماذج يكون ذلك محفزًا له للجد والاجتهاد، ولا يغتر بعمله القليل؛ لأن من الناس من يظن أنه إذا صلى في المسجد جماعة أن ذلك قد حقق به عبادة العابدين من الأولين والآخرين، وأنه لم يأتِ أحد بمثل عمله، لا، هذه نماذج أخرى وجدت، واجتهدوا وجاهدوا أنفسهم ثم هؤلاء لهم شهوات، فهم بشر كحالنا، ولكن ما الذي جعلهم يتغلبون عليها؟ فهذا كله من النظر السلبي في مثل هذه الآثار.
ملخص المقال هدي النبي في الليل مقال بقلم الشيخ عبد الله بن صالح القصير، يبين هدي الرسول في قيام الليل، فكيف كان هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل؟ إن هدي النبي r هو سنته وطريقته في الأشياء، وهديه r أكمل هدي؛ لأنه هدي معتدل يتحقق به صلاح القلب والجسد وإشباع الروح والعقل دون تفريط أو شطط. وسنتعرض بمشيئة الله تعالى لبيان هدي النبي r في أشياء كثيرة؛ ليتسنى للقارئ الكريم الذي يبتغي وجه الله تعالى والدار الآخرة أن يقتدي به r فيما نشير إليه؛ فإن الله تعالى قال: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. شرح حديث: لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل. وقال سبحانه: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]. وفيما يلي نذكر هدي النبي r في الليل: 1- فقد كان r يصلي المغرب إذا تحقق غروب الشمس فيبكر بها، حتى إن المرء يرجع إلى أهله بعد الصلاة وإنه ليبصر مواقع نبله (ريشة السهم). 2- وكان يصلي بعدها سنتها الراتبة ركعتين يقرأ في الركعة الأولى سورة (قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية سورة (قل هو الله أحد)، ويحث على صلاة ركعتين قبلها ويقول: " صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن يشاء ".
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فمما ورد عن السلف - في قيام الليل ما جاء عن طلق بن حبيب -رحمه الله- أنه كان لا يركع إذا افتتح سورة البقرة حتى يبلغ العنكبوت، وكان يقول: "أشتهي أن أقوم حتى يشتكي صلبي" [1]. وكان سعيد بن عبد العزيز يحيي الليل، فإذا طلع الفجر جدد وضوءه، وخرج إلى المسجد [2]. وكما سبق بأنه لا يشرع إحياء الليل أجمع إلا في العشر الأواخر من رمضان، ولكن مثل هذه الأشياء إنما تذكر لبيان ما كانوا فيه من الاجتهاد في العبادة، وليس المراد أن نحيي الليل كله. ولو أن الإنسان يكون له ورد من الليل في أوله، أو في وسطه، أو في آخره، هذا هو المراد، وكان المفضل بن فضالة قاضيًا، وكان مجاب الدعوة، وكان مع ضعف بدنه يطيل القيام [3]. وهكذا ضيغم بن مالك البصري كان ينام ثلث الليل، ويقوم ثلثيه [4]. ما هو الطباق - موضوع. وقال رجل لابن المبارك -رحمه الله-: قرأت البارحة القرآن في ركعة، فقال: لكني أعرف رجلاً لم يزل البارحة يكرر: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] إلى الصبح، ما قدر أن يجاوزها [5] ، يعني نفسه. وذكر بعض أصحاب وكيع بن الجراح ممن كانوا يلازمونه أنه كان لا ينام حتى يقرأ جزأه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر [6].
وآيًّا كان ففيه دليل على أن المهم من الأمور والقضايا القضيةُ نفسها دون ذكر الأشخاص، ولهذا كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن ينهَى عن شيءٍ فإنه لا يذكر الأشخاص، وإنما يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» وما أشبه ذلك. وتركُ ذكرِ اسمِ الشخص فيه فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: السترُ على هذا الشخص. الفائدة الثانية: أن هذا الشخص ربما تتغير حاله؛ فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر؛ لأن القلوب بيد الله، فمثلًا: هب أنني رأيت رجلًا على فسق، فإذا ذكرت اسمه، فقلت لشخص: لا تكن مثل فلان؛ يسرق أو يزني أو يشرب الخمر، أو ما أشبه ذلك، فربما تتغير حال هذا الرجل، ويستقيم، ويعبد الله، فلا يستحق الحكم الذي ذكرته من قبل، فلهذا كان الإبهام في هذه الأمور أولى وأحسن، لما فيه من ستر، ولما فيه من الاحتياط إذا تغيرت حال الشخص. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «كان يقوم من الليل فترك قيام الليل» التحذير من كون الإنسان يعمل العمل الصالح ثم يدعه، فإن هذا قد ينبئ عن رغبة عن الخير، وكراهة له، وهذا خطر عظيم، وإن كان الإنسان قد يترك الشيء لعذر، فإذا تركه لعذر، فإن كان مما يمكن قضاؤه قضاه وإن كان مما لا يمكن قضاؤه فإن الله -تعالى- يعفو عنه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من مرض أو سافر كُتب له ما كان يعملُ صحيحًا مقيمًا، وكذلك إذا تركه لعذر فإنه يقضه.