ما لا تعرف عن قصة قصيدة "وظلم ذوي القربى أشد" ما لا تعرف عن قصة قصيدة "وظلم ذوي القربى أشد": أمّا عن مناسبة قصيدة "وظلم ذوي القربى أشد" يحكى أنه أبو زيد الهلالي أرسل في طلب ابن أخته يحيى، فأتاه من فوره فخرجا هو وابن أخته للبحث عن الأراضي التي يكثر فيها الشعب الذين يعيشون برفاهية، وفي أثناء سيرهم نفذ الماء الذي معهم، ولما اشتد عطشهما أخذا بالبحث عن ماء ليشرباه، حتى وقفا على بئر ماء في منطقة "الأجفر" ولما أقاموا به ذهبوا إلى بئر لكي يستخرجوا الماء فوجدوا البئر مهجوراً لا يوجد عليه أثر ماء. قال يحيى لخاله: يا خال إن هذا البئر مهجور وأخاف أن يكون فيه حشرات مؤذية، فرد عليه أبو زيد الهلالي: لا عليك! المكتوب لا مفر منه. فقال يحيى: هيا بنا!
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند لا يكاد إنسان اكتوى من أهله وأقاربه وعبّر عن مضاضته وألمه بالشعر، أكثر من الشاعر طرفة بن العبد قائل هذه الأبيات وصاحب المعلقة الشهيرة، التي تعتبر واحدة من أكثر المعلقات السبع فلسفة في شؤون الحياة وحكمتها، مع العلم أن صاحبها مات في سن السادسة والعشرين، وهي المفارقة التي تكشف أن الحكمة لا تعني عدد السنوات والعمر، بقدر ما تعني الخبرة والمرارة والأوجاع التي يعيشها الإنسان. ولد طرفة مطلع العقد الخامس من القرن السادس الميلادي، ومات قبل مولد النبي بخمس سنوات تقريباً، ورغم أنه وريث عائلة كبيرة من بني بكر، إلا أن وفاة والده المبكرة انعكست عليه سلبا لتبدأ معاناته مع الأقارب الذين لم يرث منهم سوى شاعريتهم، ليصبح أشهر منهم في قول الشعر. ويبدو أنهم أحسوا منه ذكاء مبكرا فآثروا أن يبعدوه مطمعا في المال والثروة، لكنه كسب الخلود في التاريخ، فالمال ذاهب، في حين بقيت نصاعة بيانه إلى اليوم، وقد قرر حياة مختلفة قائمة على الثورة والرفض، هي التي صنعت له المجد. وفي البداية وهو صغير لم يعِ بعد، تربى طرفة مع أعمامه الذين أساؤوا له كثيرا وأكلوا وِرثه عن أبيه، وهو ما صوّره في معلقته الشهيرة لاحقا، كما اضطهدوا أمه كذلك.
وقال: كان بطلًا من أبطال الجدِّ والعمل والهمة والنشاط، يكتب أحسنَ المجلَّات، ويُؤلِّف أفضل الكتب، وينشئ أجمل الروايات، ويُناقِشُ ويناضل ويبحث وينقِّب ويستنتِجُ ويستنبط، ويجيب السائل، ويفيد الطالبَ في آنٍ واحد، لا يشغله أمرٌ من تلك الأمور عن أمر غيره، ولا يشكو مللًا ولا ضجرًا، ولا يحس بخَوَرٍ ولا فتور [6]. قال ربيع: أبعدتَ النُّجْعةَ يا شيخ، وتجاوزت الحدَّ، وبالغت مبالغةً لا تليق بأمثالك من الكتاب الفضلاء غفر الله لك، ورحم الله أستاذنا الدكتور صبحي الصالح الذي نطق بالحقِّ في مقدمة كتابه الرائد (دراسات في فقه اللغة): وكان في جرجي زيدان عيب أقبح يتمثل في سطحيَّة علمه بهذه الأمور- إن صحَّ التعبير - وفي تطفُّله على ميدان اللغة - كما كان شأنه في أكثر الميادين - فما من بحثٍ إلا خاض فيه، ولم يكن في واحد منها من أهليه" [7].
فالروايات تختلف حول القصة، هل هجا عمرو فعلا؟ أم تطاول عليه؟ أم قال قولة ما؟ وهناك من رأى أنه حاول مغازلة شقيقة الملك الذي رأى في ذلك قلة ذوق، لكن عمرو بن هند لم يقتله مباشرة، وأوعز للمكعبر بأن يقوم بذلك، ويقال إن ذلك تم في رسالة حملها طرفة نفسه إلى المكعبر من عمرو، وقد منعته عزة النفس التي عرف بها من أن يفتحها ليقرأ مدلولها، وهذه الرواية تبدو ضعيفة، فليس من المعقول أن يعرف أحد بحتفه ونهايته، ويواجهه بهذه الطريقة. الخلاصة أن مؤامرة ما تمت، بين الملكين وهما يشعران بخطورة هذا الشاب الذي يجب أن يموت مبكرا، فتم سجنه أولا ومن ثم قتله تخلصاً من ذلك الثائر الذي امتلك البيان الساحر في سن صغيرة. فرغم حداثة سنه استطاع طرفة بن العبد أن يدخل التاريخ بمعلقته التي سجلت لنا فلسفة لا تزال قوية وعميقة إلى اليوم، تحوي نظرة واسعة للحياة والموت والإنسان.