ثم جاءت فرجةٌ أخرى ؛ هي لما تأكدت بأن الحديث آنف الذكر الذي قد سألت الشيخ الألباني عنه إنما هو حديث ضعيف قد ضعفه الشيخ بنفسه ؛ وأن تلميذه قد أخطأ بمظنة صحته. ثم بعدها توسعت المعرفة معي ؛ لأرى بجلاء ووضوح أن هذا الفتح العثماني المجيد لا تنطبق عليه مواصفات البشارة النبوية في الأحاديث الأخرى ؛ إذْ إنّها ( الأحاديث) تنص على أن هذا الفتح يجيء سلماً لا حرباً.
أما الحديث فهو: " لتفتحن القسطنطينية، فلَنِعْمَ الأمير أميرها، ولَنِعْمَ الجيش ذلك الجيش ". وأمّا السيرة فإنها كانت على مشكلين ؛ الأول ما قد روي زوراً من أنّ محمد الفاتح قد قتل أخاه الرضيع ( كان عند السلاطين العثمانيين عادة سيئة بشعة: تتلخص في قتل إخوتهم فور استلامهم لعرش السلطنة) ، والآخر كان في اعتقاد العثمانيين المتمثل بعقيدة الأشاعرة والماتيردية من جهة ، وشيء من التصوف من جهة أخرى ( يزيد وينقص بحسب حال الخليفة وزمنه) ، وهو الأمر الذي جعل بعض المبتدعة يصحح عقيدة المتصوفة والأشاعرة والماتريدية اعتماداً على هذا النص النبوي. كان سؤالي للشيخ الألباني – رحمه الله تعالى – هو عن هذا المشكل ؛ إذ كيف يجتمع هذا الثناء مع هذه المفارقة ؟ كانت إجابة الشيخ – رحمه الله تعالى - تتلخص بأننا ننظر في صحة الحديث ، وبعدها ننظر في صحة الرواية ، فإن صحّ الحديث فإنّه هو المُقدم. حديث فتح القسطنطينية وروما - إسلام ويب - مركز الفتوى. بعدها قد جاءت إجابة تلميذه الخاطئة ؛ لتربكني أكثر فأكثر! بدأت الأمور تنفرج ويسرى عني ؛ إذْ إنّ قصة قتل السلطان لأخيه الرضيع هي قصة مفبركة قد تتبعها الشيخ السدحان في كتاب له ، ومن ثم نقضها لبة لبة. ثم جاء أول حل لهذا اللغز الغامض المتعلق بالمشكل الآخر ؛ وقد كان هذا الحل في مطالعتي لسطرٍ " يتيم " للشيخ المؤرخ الكبير محمود شاكر ( السوري وليس الأديب المصري) في موسوعته التاريخية الشهيرة ، وهي قوله بأن هذا الفتح العثماني ليس هو المعني ولا المقصود بالأحاديث النبوية.
تنويه عن فتح القسطنطينية... وقصة لقائي بالشيخ الألباني! - 2 – القسطنطينية إحدى مدن الاستثناء العالمية ؛ فهي مدينة ذات قداسة دينية ، ومَنَعة جغرافية ، وثقل تاريخي عتيد. من ناحية الدين ؛ فإنّ القسطنطينية هي قبلة وكعبة طائفة الأرثوذكس النصرانية. تنويه عن فتح القسطنطينية ... وقصة لقائي بالشيخ الألباني ( 2 - 2 ) ! - اكتب. ومن الناحية الجغرافية ؛ فإن هذه المدينة هي المفتاح لبوابة أوربا الشرقية ، ولها أيضاً مخصصاتها العجيبة في ندرة الموقع ومتن الحماية. أمّا عن الثقل التاريخي ؛ فإنها بكل اختصار: عاصمة الروم سياسة ، وكعبة النصارى ( الأرثوذكس) ديانةً. ولذا ؛ فإنّ الأوربيين ما زالوا حتى يومنا هذا يؤرخون بسقوط القسطنطينية لبدء نهضتهم الحديثة - كما أنهم يؤرخون بالثورة الفرنسية شريكاً لها في ذلك. من لذيذ الخبر بأنّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد بشرنا بأنّ كعبتي النصارى ستُفتحان على يد المسلمين ( القسطنطينية ، وروما) ، وهذا يعني اضمحلال القوة الذاتية والوجدانية لهذه الديانة المحرفة بشطريها الأرثوذكسي والكاثوليكي – إلى أن يحين في الأرض نزول عيسى عليه السلام ، فيكسر الصليب ؛ إيذاناً بانتهاء هذه الأسطورة التليدة والعقيدة الفاسدة. تتابعت بشائر النبوة عن هذه المدينة إمّا حفزاً لغزوها: " أول جيش من أمتي يغزو مدينة قيصر مغفور لهم " ، وإما بشارة بفتحها: " ستُفتح القسطنطينية وستفتح رومية ، قلنا: يا رسول الله أي المدينتين تُفتح أولاً ؟ قال: مدينة قيصر ".