في ذلك اليوم هاتفني في المنزل رئيس جمعية رسالة الطالب بطنجة المرحوم سي مصطفى بن مسعود حيث كانت تربطني به علاقة أدبية وأخوية فقال لي رحمه الله بنبرة غاضبة جدا " بلغني أنك اخترت الشعبة العلمية، هل تعلم أنك بهذا الاختيار صرت فاقد البصر والبصيرة! الطفل الذي كنته "سيدي حميد " ذ. محمد الجباري - أخبار قصراوة العالم. " ابتسمت له وقلت متوسلا " لا تغضب مني أستاذ سي مصطفى فالحب من خصائصه أنه أعمى! "، تعودت من حين لآخر أن أرتب في السر مواعيد غرام ، كنت أهرب بنفسي من كراريس الرياضيات والفيزياء والبيولوجية إلى عوالم أخرى حيث كتب الرواية والشعر والخيال ظلت علاقتي بالشعبة الأدبية في أوج عنفوانها لم ينل منها رتابة وضغط الامتحانات أو بؤس وكثافة المقررات الدراسية. لم يكن أحد يعتقد أن الطفل الذي لم يجرؤ أبدا على القيام بخطوته الأولى خارج عتبة الدار إلا بمشقة وعسر كبيرين لن يكتف هذه المرة بالخطى والمشي بل سيطير ويحلق بعيدا نحو الضفة الأخرى وراء البحر، هولندا الجميلة رغم أناقة مدنها وروعة باديتها وبساطها الأخضر المزين بأنواع ورود التولب الفاتنة تشعرك تارة بالضجر والملل، أنا القادم من الشرق بلاد الشمس والحر كيف سأتكيف مع الصقيع والثلج؟ شعرت فجأة بدفء الحياة يسري من جديد في نفسي وقلبي حينما كانت نواة حياة أخرى لجنين تتفتح وتتشكل في رحم والدته.
تحت المراقبة ويشير موفد الصحيفة إلى أن التقدم الإسرائيلي على الأرض لا يرحم، مستدلا بحال قرية جبة الديب بالقرب من أنقاض قصر هيرود، والتي أصبحت قرية صغيرة محاطة بمستوطنتين يهوديتين، إذ تسأل فاطمة العوش -وهي قيادية في لجنة المرأة للتنمية المحلية- "من ذا يريد البقاء في مكان بدون تصريح بناء وبدون تصريح لشبكة الكهرباء وحيث يمنع تركيب خزان مياه ضروري في الصيف لري قطع الأرض؟ نحن تحت المراقبة، يمر المستوطنون في الشوارع مع الكلاب لإخافة الأطفال، وكل يوم أربعاء تحلق طائرة مسيرة فوق رؤوسنا، أرضنا صارت متنزها للمستوطنين، وعندما نريد قطف الزيتون تكون الثمار قد اختفت بالفعل". وفي الجانب الآخر، يؤكد غيدي كيلمان -وهو أحد سكان بؤرة سري بوعز الاستيطانية- مثل هذه الأقوال بطريقته الخاصة، قائلا إن "الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين صراع على حيازة الأرض، وسيستمر حتى يتم ترسيم الحدود".
عدت جريا إلى البيت هالني حالة الفوضى والترقب في الحي الذي لم ينم أهله تلك الليلة، ظلوا يبحثون عن الطفل "سيدي حميد" الذي غادر البيت الليلة الماضية ولم يعد بعد! لم أغضب كثيرا من العقاب المبرح الذي تعرضت له من طرف شقيقي الأكبر فلقد علمت على صغري أنه بقدر الحب يكون العتاب وبقدر العطف يكون العقاب، كان عقاب الوالدة للا حبيبة أشد وأقسى وأمر رغم أنها لم تفعل شيئا سوى أنها تركت دمعة تعبر خدها الأيسر جهة القلب حينها تذكرت حديث الشيخ عن بكاء سيدنا يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام، فهكذا هم الأمهات يتصفن بصفات الأنبياء.