ومن الغريب أن واجهة القصر الخارجية لا تتمتع بكثير من الجمال والروعة، ومنها يبدو البناء كأنه معسكر ضخم؛ ولقد ذكرنا ذلك بواجهة قصر الفاتيكان الخارجية التي لا تدلي بشيء من عظمته الداخلية؛ بيد أننا ما كدنا نجوز إلى ساحة القصر الداخلية، ونشرف منها على بستانه العظيم حتى وقعنا على منظر من أروع ما شهدنا. يشرف قصر فرساي من الوجهة الخلفية على بستان شاسع، قد نظم أبدع تنظيم، ونمت به الأشجار الباسقة من أنواع لا نظائر لها في حدائقنا. وفي مقدمة البستان مما يلي القصر مباشرة بحيرة صغيرة ساحرة؛ وأرض البستان مدرجة، تمتد منحدرة في حظائر بديعة من الأحراج الصغيرة، وحظائر من الزهر تأخذ اللب بمناظرها وألوانها الرائعة، ويطبع مناظر البستان كلها طابع ساحر من الرشاقة والأناقة والتنسيق. مجلة الرسالة/العدد 165/أسبوع في سبتمانيا - ويكي مصدر. وقد حول قصر فرساي كما حول قصر اللوفر إلى متحف، ولكن القصر في ذاته تحفة فنية رائعة؛ وأعتقد أنه يفوق قصر اللوفر من حيث الجمال والخواص الفنية، وإن كان اللوفر يفوقه من حيث الجلال والهيبة الملوكية؛ ذلك أن قصر اللوفر كان مقر العرش، ومقر الملوكية الفرنسية في أوج عظمتها وازدهارها، ولم يكن قصر فرساي إلا مصيفا ومقاما مؤقتا، ولم يغد مقر البلاط الدائم إلا في فترات قليلة في أواخر عصر لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر.
ويلي هذا الجناح، في وسط القصر، جناح لويس الرابع عشر، وهو أفخم وأروع، وبه غرفة نوم ملوكية مازالت تحتفظ بأثاثها، وإلى جوارها ترى متزين الملك، وخزائن الثياب؛ وقد زين هذا الجناح بصور عديدة للويس الرابع عشر، في أوضاع ومناسبات مختلفة؛ والملك يبدو فيها جميعا قصير القامة، محدودب الأنف، وقد انسدل على كتفيه شعره الغزير، وبدت على وجه ملامح الكبر والخيلاء.
ويلي ذلك في صفين متقابلين مناظر لأعظم المعارك التي انتصرت فيها فرنسا مرتبة حسب العصور والتواريخ؛ مواقع شارلمان، ولويس الحادي عشر، ولويس الرابع عشر، وموقعة فالمي أشهر معارك الثورة الفرنسية ضد أوربا، ثم طائفة كبيرة من مواقع نابوليون مثل مارنجو، فاجرام، أوسترلتز، وغيرها.