رواه مسلم. قوله: «مُجْتابِي النِّمارِ» هو بالجيمِ وبعدَ الألفِ باءٌ موحَّدةٌ، والنِّمارُ: جمعُ نَمِرةٍ، وهي: كِساءٌ من صوفٍ مخطط، ومَعنَى «مُجْتابِيها» أي: لابسيها قد خَرقُوها في رؤوسِهم. و«الجوب»: القَطعُ، ومنه قولُه تعالَى: ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ (الفجر: 9)؛ أي: نَحتوه وقطَعوه. وقوله: «تمعَّرَّ»: هو بالعين المهملة، أي تغيَّرَ. وقوله: «رأيتُ كومينِ» بفتح الكافِ وضمِّها؛ أي: صُبْرتَينِ. شرح حديث من سن سنة حسنة. وقولُه: «كأنَّه مُذْهبَةٌ» هو بالذَّال المعْجَمةِ، وفتحِ الهاءِ والباءِ الموَّحدةِ. قاله القاضي عياض وغيرُه. وصَحَّفه بعضُهم فقال: «مَدْهُنةٌ» بدالٍ مُهملةٍ وضمِّ الهاءِ والنونِ، وكذا ضبَطه الحُميدِيُّ، والصَّحِيحُ المشهورُ هو الأوَّلُ. والمرادُ به على الوَجهينِ: الصَّفاءُ والاستِنارةُ. قَالَ العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ - رحمه الله -: ذكرَ المؤلِّفُ - رحمه الله - في باب من سَنَّ في الإسلامِ سُنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها حديثَ جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وهو حديث عظيم يتبين منه حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقتُه على أمَّته صلوات الله وسلامه عليه، فبينما هم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار إذا جاء قومٌ عامتهم من مضر أو كلُّهم من مضر مُجتابي النِّمارِ، مُقلَّدي السيوف رضي الله عنهم، يعني أن الإنسان ليس عليه إلا ثوبه قد اجتباه يستر به عورته، وقد ربطه على رقبتِه، ومعهم السيوفُ استعدادًا لما يؤمرون به من الجهادِ رضي الله عنهم.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يُعطينا درساً عملياً ونظرياً فيما ينبغي أن تكون عليه شخصية الإنسان المسلم؛ ففي الجانب النظري يصرح -صلى الله عليه وسلم- بالقاعدة الأصلية التي ينبغي أن تنضبط بناءً عليها أعمال المسلم، وهي أنّ المبادرة إلى الخير والحسنات تفتح باب الخير للمجتمع المسلم، وبالتالي لا بد من الحث عليها، والعكس في فتح باب الشرور والسيئات. أمّا الجانب العملي فتمثل في تعزيز النبي -صلى الله عليه وسلم- مبادرة الصحابي إلى الصدقة، وإظهار الاستبشار له ترغيباً لغيره في اتباع طريقته، وأيضاً مما يفهم من هذا الحديث تخصيص قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كل بدعة ضلالة). شرح حديث من سن في الإسلام سنة حسنة - منبع الحلول. [٣] [٤] وقد يُفهم عموم حُرمة إحداث أمر جديد لم يُسبق إليه، فجاء حديث "السنة الحسنة" ليبين للمسلمين أن المحدثات الباطلة والبدع المذمومة هي فقط التي حرمها النبي الكريم. [٤] أمثلة على السنة الحسنة فما يأتي ذكر لبعض الأمور التي تعد من الأمثلة على سن الشيء الحسن بين الناس: تعلُّم العلم النافع وتعليمه للناس، فالمعلِّم الذي يبتغي بعلمه وجه الله تعالى ينشر الخير بين المسلمين، ويُحبِّب إليهم طلب العلم، فيتنافس الناس في تعلِّمه، فيثاب الجميع. [٥] ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جمع الناس على صلاة التراويح؛ حيث إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع الناس لصلاة القيام رمضان ويؤمهم في الصلاة أول الأمر، ثم تخلَّف عن ذلك خشية أن تفرض على الأمة، فصلّاها في بيته، وصلّاها المسلمون في بيوتهم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه.