فلتكن له عبرة بانقضاء الأيام والسنين والشهور والأعوام. واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربى الأمة على مخالفة الكفار في العبادات والعادات، فقد ربانا على خلاف عاداتهم في الأكل والذبح والمعاملة بين الزوجين، ففي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين. حكم الاحتفال بعيد الميلاد ابن العثيمين. وقد روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. قال الشيخ الألباني: صحيح. وفي حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل؛ ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. وفي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت! فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاواه 3/106: "الأعياد كلُّها من باب العبادة". وفي سنن أبي داود والنسائي من حديث أنس بن مالك أنه قال: (قدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟))، قالوا: "كنا نلعب فيهما في الجاهلية"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى، ويومَ الفطر))، والحديث صحَّحه الألباني، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ﴾ [النساء: 2]، فليس للمسلمين غيرهما. فإن قال قائلٌ: يُفرَّقُ بين العيد الشرعي وغيره ، يُجابُ بأن ظاهرَ الحديث يردُّ ذلك، والتفريق يجب عليه دليل، فأين هو إذًا؟ فالأصل عدمُ التفريق؛ لأنهم كانوا يلعبون، وهو فعلٌ مباح، فحرَّمه صلى الله عليه وسلم. حكم الاحتفال بعيد الميلاد ابن باز. فإن قالوا: هو بدعة حسنة، أُجيب بأنه ليس عند أهل السُّنَّة هذا؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يقول: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنةً"؛ [ سنن الدارمي 1 /80]، وقال الشاطبي: "قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة)) محمولٌ عند العلماء على عمومِه، لا يُستثنى منه شيءٌ ألبتة، وليس فيها ما هو حسن أصلًا" [انظر فتاوى الإمام الشاطبي ص(181،180)]، وقال القرطبي في تفسيره (2 /87): "((وكل بدعة ضلالة)) يريد: ما لم يوافق كتابًا أو سنة أو عملَ الصحابة رضي الله عنهم"؛ اهـ.
وقول عمر: "نعم البدعة هذه" محمولٌ على اللغة لا الشرع. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية؛ كقوله: ((فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))، وتارة تكون بدعة لغوية؛ كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعِه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة"؛ اهـ [ تفسير القرآن العظيم (1 /162)]. قال ابن رجب: "والمراد بالبدعة: ما أُحدث ممَّا لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، وأما ما كان له أصلٌ من الشرع يدلُّ عليه، فليس ببدعةٍ شرعًا، وإن كان بدعة لغةً"؛ [ جامع العلوم والحكم /ص265]. و حديث ((من سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة)) المقصودُ فيه: أي أحيا سنة مهجورة، أو فعل فعلًا له أصل في الشرع الحنيف؛ فالذوق والعقل والخواطر فيها صوابٌ وخطأ، والكتاب والسنة لا يكونان إلا حقًّا؛ ( ويُراجع "مختصر الصواعق" ص496). حكم الاحتفال بعيد الميلاد اسلام ويب. عن حرملةَ بن يحيي قال: سمعت الإمامَ الشافعي رحمه الله يقول: "البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم"؛ [ الحلية 9 /113]. ولو كان يومُ الميلاد جائزًا فيه شيء، لكان الحزن أولى فيه من الفرح؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: (يا بن آدم، إنما أنت أيامٌ؛ كلَّما ذهب يومٌ ذهب بعضُك)، " الحلية " (2 /148).