masonicoutreachservices.biz

masonicoutreachservices.biz

(فمن احياها فكانما احيا الناس جميعا)

Tuesday, 30-Jul-24 02:46:40 UTC

أما الذي يذهب للاعتداء على الناس ولم يكن بينه وبينهم عداء؛ فهذه هي الحرابة. كأن يخرج ليقطع الطريق على الناس ويخيف كل من يلقاه ويُسبِّب له القلق والرّعب والخوف عللى نفسه وماله، والمال قد يكون من جنس الحيوان أو جنس النبات أو جنس الجماد. وذلك ما يسميه الشرع حرابة وستأتي لها آية مخصوصة. فصل: التفسير المأثور:|نداء الإيمان. إذن. فالفساد في الأرض معناه إخراج صالح عن صلاحه مظروف في الأرض، والمظروف في الأرض سيده الإنسان، والإفساد فيه إما بقتله أو إهاجته وإشاعة الرّعب فيه، وإما بشيء مملوك له من الأشياء التي دونه في الجنسية مثل الزروع أو النباتات أو الحيوانات. فكأن الفساد في الأرض- أيضًا- يؤهل لقتل النفس: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا}. أي أن القتل بغير إفساد في الأرض؛ هو القتل الذي يستحق العقاب. أما القتل بإفساد في الأرض فذلك أمر آخر؛ لأن هناك فارقًا بين أن يُقتل قِصاصًا أو أن يقتل حدًّا من المُشرِّع؛ وحتى عفو صاحب الدم عن القاتل في الحرابة وقطع الطريق لا يشفع في ذلك ولا يسقط الحد عن الذي فعل ذلك؛ لأنها جريمة ضد المجتمع كله. ويتابع سبحانه: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بالبينات ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ بَعْدَ ذلك فِي الأرض لَمُسْرِفُونَ} والمُسرف هو المُتجاوز للحَد، وهو من لا يأخذ قدر تكوينه وموقعه في الوجود، بل يحاول أن يخرج عن قدر إمكاناته في الوجود.

فصل: التفسير المأثور:|نداء الإيمان

وأول مظروف في الأرض أو السيد لها هو الإنسان. وعندما نفسد في الإنسان، فهذا معناه قتل الإنسان. إذن لابد أن يكون الفساد في أشياء أخرى: هي الأكوان أو الأجناس الأخرى؛ الحيوانات والنباتات والجمادات. والفساد في هذه الكائنات بكون بإخراجها عن مستحوزها ملكيةً، كأن تسطو جماعة على بضاعة إنسان آخر، أو أن يأخذ واحد ثمار زرع لأحد، أو أن يأخذ بعضًا من إنتاج منجم منجنيز أو حديد أو خلافه. إن الفساد نوعان: فساد في الأرض وهو متعلف بالمظروف في الأرض، والمظروف في الأرض سيد وهو الإنسان، والفساد فيه قتله أو أن تُسبب له اختلالًا في أمنه النفسي كالقلق والاضطراب والخوف. ونلحظ أن الحق سبحانه قد امْتَنّ على قريش بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. فكأنما أحيا الناس جميعا. إذن فمن الفساد تفزيع الناس وترويعهم وهو قسمان: قسم تُفَزِّع فيه مَن لك عنده ثأر أو بينك وبينه ضغينة أو بُغض، أو أن تُفَزِّع قومًا لا علاقة بينك وبينهم ولم يصنعوا معك شيئًا. فمن يعتدي على إنسان بينه وبينه مشكله أو عداوة أو بغضاء، لا نُسمّيه خارجًا على الشريعة؛ بأخذ حقه، ولكنه لا يستوفي في حقه بيده بل لابد من حاكم يقوم بذلك كي ينضبط الأمر ويستقيم، إنه يخرج على الشريعة فقط في حالة العُدوان.

نداء إغاثة إلى خادم الحرمين الشريفين ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )

الانتحار وقتل المرء لنفسه: آفة خطيرة، وجرم كبير، بفعله يخسر الإنسان دنياه وأخراه، ويتعرض لسخط الله وعقابه. نداء إغاثة إلى خادم الحرمين الشريفين ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ). الحمد الذي لا رب سواه، ولا إله ولا معبود بحق سواه، وأصلي وأسلم على مولانا رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه. وبعد؛ فإنه من المقاصد العظمى لشريعة الإسلام، أنها جاءت لحفظ النفوس وصيانتها، ومن ذلك أنها نهت عن قتل النفس بغير حق، وقتل النفس يتناول: قتل المرء لنفسه، أو قتل الغير، قال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [ النساء: 29]. وقد أجمع أهل التأويل على أن المقصد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضًا، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غرر ربما مات منه، فهذا كله يتناوله النهي[1]. ومن تأمل في نصوص الشريعة ، يجد أنها قد عظمت حرمة النفس، وجعلت من قتل نفسًا واحدة كأنما قتل الناس جميعًا، قال تعالى: { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]؛ والْمَعْنَى: أن مَنْ قَتَلَ نَفْسًا وَاحِدَةً وَانْتَهَكَ حُرْمَتَهَا فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ تَرَكَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَصَانَ حُرْمَتَهَا وَاسْتَحْيَاهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا[2].

فكأنما أحيا الناس جميعا

مثال ذلك: رجل حاول أن يسطو على حق غيره في الوجود؛ متخطيًا منزلة الاعتدال فلا يأخذ حقه فقط. مثل قطاع الطريق أو النهابين يأخذون عرق غيرهم وتعودوا أن يعيشوا كذلك وبراحة. والمصيبة لا تكون في قاطع الطريق وحده، ولكن تتعداه إلى المجتمع. فيقال: إن فلانًا يجلس في منزله براحة وتكفيه ساعة بالليل ليسرق الناس. إن الأمر لا يقف عند حدود ذلك الإنسان إنما يتعدّاه إلى غيره. ويحيا من يملك مالًا في رُعب، وعندما يُفجَع في زائد ماله، يفقد الرغبة في أن يتحرك في الحياة حركة زائدة تُنتج فائضًا لأنه لا يشعر بالأمن والأمان. وعندئذ يفقد العاجز عن الحركة في المجتمع السند والعون من الذي كان يتحرك حركةً أوسع. إذن من رحمة الله أنه فتح أمام البشر أبواب الآمال في التملُّك، مادام السعي إلى ذلك يتم بطرق مشروعة. ونضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى-: الرجل المُرابي الذي يُقرض مُحتاجًا مائة جنيه، كيف يطلب المرابي زيادة مِمّن لا يجد شيئا يقيم به حياته؟ إنه بذلك يكون قد أعطى مَن وجد أزيد مما أخذ منه مع فقره وعجْزه. إن ذلك هو الإسراف عينه. اهـ.. التفسير المأثور: قال السيوطي: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا... } الآية.

فالمنتحر: هو إنسان ضاقت به الأسباب عن مواجهة الظروف، وتمكن منه القلق ، وأحس أن جميع الطرق قد سدت في وجهه، فلم يجد مهربًا إلا إنهاء حياته وقتل نفسه. ولما كان الانتحار اعتداءً على النفس التي أبدعها الله وأمر بحفظها وصيانتها وجدنا الشريعة قد شددت فيه، وتوعدت فاعله، قال تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29 - 30]. وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ[4] بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ[5] فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى[6] فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا »[7] ». فهذه النصوص وغيرها كثير تبين ضرر آفة الانتحار على صاحبها في الآخرة، وأنه يعاقب يوم القيامة من جنس فعله؛ فمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[8].