وهذا هو عينُ الضلال البعيد! فالقرآن العظيم إذ يقول "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" فإنه يُحذر الذين آمنوا من أن يغيروا حالَهم مع الله تعالى امتثالاً من جانبهم وانصياعاً لما يأمرُهم به دينُه الحنيف وذلك لئلا يعود عليهم ذلك بما يجعلُهم يدفعون الثمن غالياً وذلك ب " تغييرِ الله تعالى" ما بهم من نِعَمِهِ وأنعُمِهِ ونََعمائهِ التي أغدقها عليهم فهم فيها يرفلون. ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وهذا هو عينُ ما ورد في سورة الأنفال في الآية الكريمة 53 منها: ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). ويؤكد هذا الذي ينبغي أن تكون عليه مقاربةُ قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" أننا لا نجد في القرآن العظيم ما يشير الى أن للتغيير عائداً "ايجابياً" على الإطلاق. ف "التغيير" وردَ ذكرُه في القرآن العظيم مرتين، غيرَ المرتين المذكورتين أعلاه، وذلك في قوله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) (من 119 النساء)، و(وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) (من 15 محمد).
وكانَ أنْ حَفلَت هذهِ السَّنواتُ جَمِيعُها، بِعَربَدَةٍ مُنْحَطّةٍ لِعُهْرٍ سِياسيٍّ، مارَسَتْهُ هذهِ الشَّبَكَةُ؛ مِا دَفَعَ بالشّعبِ إلى أنْ يُقاسِي أَهْوَالًا لا طاقَةَ وُجُودِيَّةَ لهُ على مُعاناةِ صُنُوفِها الدَّنِيئَةِ والوَبِيلَةِ، ولا مَنْطِقٍ يَمْتَلِكهُ للاسْتِمرارِ في الصَّبرِ على عَواقِبِها القائِمَةِ على خَيْباتِ الأَمَلِ الشَّعبِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ الكُبْرى. ولقد تَأَكَّدَ، تالِيًا، بِالاسْتِدلالِ المَلْمُوسِ، حُصولُ نَتائِجَ مُفجِعَةٍ، عاشَها كثيرٌ مِن القَوْمِ في لُبنانَ، على مُختلَفِ المُعتَقداتِ الدِّينيَّةِ والمَذْهَبِيَّةِ والسِّياسِيَّةِ وتعدُّدِ الانْتِماءاتِ المَناطِقِيّةِ لَهُم، مُتَكَبِّدِينَ وَيْلاتها؛ كَما تَحَصَّلَ لَدى عَديدٍ غالِبٍ مِن المُراقِبينَ الدَّولِيينَ، سُؤُ ما تُقومُ بِهِ هذهِ الشَّبَكَةُ، وعِظَمُ ما يَنْتُجُ عَن أَعمالِها مِن تَخريبٍ لِطاقاتِ البَلَدِ وإِمْكانِيَّاتِهِ. وما كانَ، من إِجْماليِّ هذهِ المَسْلَكِيَّةِ، مِن قِبَلِ رؤوسِ هذهِ الشَّبَكَةِ، إلاَّ أنْ تَطالَ، بِصفَاقَةٍ ولُؤْمٍ وسَفاهَةٍ، سُبُلَ عَيْشِ الشَّعبِ اللّبنانيّ بُرَمَّتِهِ؛ رامِيَةً بِهِ فِي مَهاوي العَوَزِ، ومُقصِيَةً لَهُ إِلى أَغْوارِ الانْحِطاطِ؛ حَيْثُ لنْ يَجْني، في صَحاري ضِيقِ الأفُقِ التي صارَ إِلَيْها، غَيْرَ مَذَمَّةِ الذُّلِّ وشَظَفِ العَيشِ الزَّهِيدِ والحَقِيرِ.