وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ فِي الصَّدِيدِ: لَا شَيْءَ ، إنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الدَّمَ الْمَسْفُوحَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قُرْحَةٍ سَالَ مِنْهَا كَغُسَالَةِ اللَّحْمِ: لَا وُضُوءَ فِيهِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: كُلُّ مَا سِوَى الدَّمِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ وَاللَّيْثُ: الْقَيْحُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ. إن تبد لكم تسؤكم. فَلِذَلِكَ خَفَّ حُكْمُهُ عِنْدَهُ ، وَاخْتِيَارُهُ ، مَعَ ذَلِكَ: إلْحَاقُهُ بِالدَّمِ ، وَإِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِهِ فِيهِ ، وَلَكِنْ الَّذِي يَفْحُشُ مِنْهُ ، يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الَّذِي يَفْحُشُ مِنْ الدَّمِ" انتهى. وقال في حكم التسمية في الغسل (1/292): "فَعَلَى هَذَا تَكُونُ وَاجِبَاتُ الْغُسْلِ شَيْئَيْنِ لَا غَيْرُ ؛ النِّيَّةُ ، وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ. فَأَمَّا التَّسْمِيَةُ: فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا مَضَى ، بَلْ حُكْمُهَا فِي الْجَنَابَةِ أَخَفُّ ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا تَنَاوَلَ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ لَا غَيْرُ" انتهى. ومن وجوه الخلاف بينهما أيضا: ألا يشدد النكير في المسائل المستنبطة والمجتهد فيها ، ما يشدد في المنصوص عليه ، ولا يثرب عليهم فيها ، ما يثرب في مخالفة المنصوص.
ويجب على الإنسان أن يسأل عما أشكل عليه ، وعما جَهِله ؛ لأن الله عَزّ وَجَلّ أمَر بسؤال أهل العِلْم. قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وللسؤال آداب مرعية ، وعلى الإنسان أن يُحسِن السؤال ، وأن يكون سؤاله واضِحًا ، وليس مِن أجل استخلاص قول أو فتوى تُوافِق هواه! ص307 - كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح - باب قوله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية المائدة - المكتبة الشاملة. وأن يُقدِّم الأهم في السؤال ، ويترك فضول المسائل. قال ابن القيم عن العِلم وتحصيلِه: فمن الناس من يُحْرَمه لعدم حُسْنِ سؤالِه ، أما لأنه لا يسألُ بحال ، أو يسألُ عن شيء وغيرُه أهمُّ إليه منه ، كمن يسألُ عن فُضُولِه التي لا يَضرُّ جهلُه بها ، ويدعُ ما لا غِنى له عن معرفتِه ، وهذه حالُ كثيرِ من الْجُهّال المتعلِّمين ، ومِن الناس من يُحْرَمه لِسُوءِ إنْصَاتِه ، فيكونُ الكلامُ والمماراةُ آثَرَ عنده وأحَبَّ إليه مِن الإنصات ، وهذه آفةٌ كَامِنةٌ في أكثرِ النفوسِ الطَّالِبةِ للعِلْمِ ، وهي تمنَعُهُم عِلْماً كَثيرا ، ولو كان حَسَنَ الفهم. ذَكَر ابن عبد البر عن بعض السلف أنه قال: مَن كان حَسَنَ الفَهمِ رَديءَ الاستماع لم يَقُم خَيْرُه بِشَرِّه. وذَكَر عبدُ الله بنُ أحمد في كتاب العِلل له قال: كان عروةُ بنُ الزبيرِ يُحِبُّ مماراةَ ابنِ عباسٍ ، فكان يَخْزِنُ عِلمَه عنه ، وكان عبيدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ عُتبة يُلَطِّفُ له في السُّؤال فَيَعِزُّه بالعِلْم عِزّا.
(تبد)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم، وزنه تفع بضمّ التاء وفتح العين. (تسؤكم)،، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم، وزنه تفلكم. الفوائد: 1- قوله تعالى: (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) إلخ... (أشياء) اسم ممنوع من الصرف وقد اختلف العلماء في أصل هذه الكلمة وفي صيغة جمعها وفي المانع من الصرف لها... أ- فذهب سيبويه إلى أن مفردها شيء وقد جمعت على شيئاء ثم قدمت اللام على الألف كراهية اجتماع همزتين بينهما ألف ساكنة. لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم. ب- وذهب الفراء إلى أن مفردها شيء وجمعها (أشيئاء) وقد حذفت الهمزة الأولى لتخفيف اللفظ. ج- أما مذهب الكسائي فيتلخص بأن وزن أشياء افعال وقد منعت من الصرف قياسا لها على ما آخره ألف التأنيث الممدودة وثمة آراء وردود أخرى تجدها في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف) إن شئت المزيد من هذا العلم.
اللام للتعليل (تعلموا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل. والمصدر المؤوّل (أن تعلموا) في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ ذلك. (أنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (يعلم) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ما) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به (في السموات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول ما الواو عاطفة (ما) مثل الأول ومعطوف عليه (في الأرض) مثل في السموات. والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه يعلم... ) سدّ مسدّ مفعولي تعلموا. الواو عاطفة (أنّ اللّه) مثل الأولى (بكل) جارّ ومجرور متعلّق بعليم (شيء) مضاف إليه مجرور (عليم) خبر أنّ مرفوع. جملة (جعل اللّه... ) لا محلّ لها استئنافيّة. وجملة (ذلك لتعلموا): لا محلّ لها استئناف بياني أو تعليليّة. وجملة (تعلموا): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن). وجملة (يعلم): في محلّ رفع خبر أنّ.. إعراب الآية رقم (98): {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)}. الإعراب: (اعلموا) فعل أمر مبني على حذف النون... والواو فاعل (أن اللّه) مرّ إعرابها، (شديد) خبر مرفوع (العقاب) مضاف إليه مجرور الواو عاطفة (أن اللّه غفور) مثل أن اللّه عليم، (رحيم) خبر ثان مرفوع.