وقال أيضًا (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ 73 مِن دُونِ اللَّهِ قالوا ضلوا عنا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِين) [غافر73]. الآية الأولى: (أين ما كنتم تدعون من دون الله)، والثانية أين ما كنتم تشركون. (قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) [الأنعام 40]، تلك الآيات دلالة على أن حكم دعاء غير الله في حكم الشرك بالله تعالى. (وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ) [النحل 86]، فقد كان المشركين يدعون من البشر أمثالهم. (فَلا تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُون) [البقرة 22]، فقد سئل رسولنا الكريم عن الذنب الأكبر عند الله، قال، أن تجعل لله أندادًا وهم خالقك، ومعناه أن تقوم بجعل نظير لله عز وجل في تضرعك إليه وتوسلك له.
حكم الدعاء لغير الله تعالى في الشريعة الإسلامية، كما نص عليه علماء من الفقهاء وعلماء الدين وأصول الدين، وهو الدعاء لمن يعتقد أن المنفعة والضرر بيد غير الله تعالى.. وقد تعددت الأمور المتعلقة بهذا الموضوع من حيث الحكم التفصيلي في الموضوع وهل يدخل في فئة الشراكة مع الله تعالى ونحو ذلك. حكم الدعاء لغير الله تعالى حكم الدعاء لغير الله عز وجل في الشريعة الإسلامية لا يجوز بل ممنوع، ولصاحبها أن يدخل في الشرك إذا لم يكن جاهلاً بحقيقة التوحيد، أما إذا كان جاهلاً فكلامه مجرد كفر. ولا يكفر صاحبها، بل يعلّم وينذر بهذا الفعل المخالف للقانون. هل الدعاء غير الله شرك في الألوهية؟ وقد جادل بعض العلماء بأن من يدعو غير الله تعالى جهلا بحقيقة التوحيد ليس مشركا، لكن عمله يعتبر شركا، وعليه أن يعلم، ولكن إذا كان على علم بالحق. من كلامه وهو ينادي غير الله فهو مشرك والعياذ بالله والعياذ بالله. أعرف. حكم الدعاء لغير الله شرك أكبر أو أقل وذهب فريق من العلماء إلى أن الدعاء لغير الله تعالى يدخل في فئة الشرك الأكبر، والعياذ بالله. وقد ورد في حاشية ابن القاسم على الأصول الثلاثة، لقوله تعالى: {واحد} في سياق النهي يشمل كل ما يقال من غير الله، سواء كان المدعو مع الله صنما أم وصيا.
وهنا أيضًا قد بيَّن الله أنَّ هؤلاء يبتغون إلى ربِّهم الوسيلة ، ولم يَقُل: يتوسَّلون بالأولياء، وسبب نُزول الآيتين هو أن نفَرًا من الجِنِّ كانوا يُعبَدون، فأسلَمُوا، فبقيَ الذين كانوا يعبدونهم على حالهم، والحديثُ في صحيح البُخاري في كتاب التفْسير. وأيضًا في هذه الآية إشارات: الأولى: خطأ التوسُّل بغَيْر الله؛ حيث صار الذين كان يُتَوسَّل بهم إلى الله يَتوسَّلون ويدعون يبتغون إلى ربِّهم الوسيلةَ - أي: التوسُّل المشروع - مما يدلُّ على ضَلال الفِرْقةِ الأُولى، وخطَئِهم الفادح؛ لتوسُّلهم بالمخلوق الضعيف. الثانية: يأمر الله سبحانه أن يَدْعُوَ المشركون الذين زعَمُوا مِن دون الله، وأخبر أنهم إنْ فعَلوا ذلك فإنَّهم لا يملكون لهم ضرًّا ولا نفعًا، وهذا أسلوب بليغ تعجيزي، لا على حقيقته؛ إذْ أخبرَ الله أنهم سيَخْسرون في ذلك فعلاً؛ لأنَّ المدْعُوِّين لا يملكون ضرًّا ولا نفعًا، وإنما الواجب الذي عليهم هو أن يفعلوا كما فعلوا، ويوجِّهوا دعاءهم ووسيلتهم إلى ربِّهم وحْدَه، ويَرجو رحمة الله، ويخافوا مِن عذاب الله، لا أن يكونَ رجاؤُهم وخوفهم واستعانتهم وتوكُّلهم مرتبطًا بعبادٍ ضعفاء مثْلِهم لا يملكون لأنفسِهم ضرًّا ولا نفعًا، فضْلاً عن غيرهم، وهذا هو الضلال المُبين.
بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على أشرف المرْسَلين وآله وصحْبِه وأتباعه إلى يوم الدِّين. أما بعد: فيَجْدُر بنا أن نُعرِّف التوسُّل ، ونوضِّح الفرق بينه وبين الاستغاثة، ونَشْرح مفهومه قبل أن نخوضَ في خباياه ومقتضياته؛ حتىَّ تتَّضِح لنا الصُّورةُ، ونكونَ على بيِّنة من أمرنا. فالتوسُّل: هو طلب المَعُونة من الله بطريقة غير مباشرة، يتَّكِئ بها الدَّاعي تقرُّبًا، كأن يقول: اللَّهم فرِّجْ كربي بجاه نبي ِّ ك، أو بجاه فلان من الصَّالحين. والاستغاثة: طلَب الغَوْث مِن مَخْلوقٍ كائنًا مَن كان وبطريقة مباشِرة، كأنْ يقول: يا فلان، نجِّني من الكُربات، ارزُقني أولادًا، ونحو ذلك. وهو على قسْمَيْن؛ توسُّل غير مشْروع، وتوسُّل مشْروع، أمَّا التوسُّل غير المشروع فكَما جاء في التَّعريف. أمَّا التَّوسُّل المشروع: فكالتوسُّل بأسماء الله الحُسْنى وصفاتِه العُلا، وبالإيمان بالله وبالعمل الصَّالح، وكدعاء ولي حيٍّ منَ الأولياء في مصائب عامَّة، كما توسَّلَت الصحابة بالعبَّاس عمِّ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلم - وتوسَّل مَن بعدهم بأسود بن يزيد. فمفهوم التوسُّل الممنوع: إنما هو التقرُّب والتزَلُّف بما يَعتقِده المُتوسِّل أنه مبارك ومقبول عند الله، وهو منْهِي عنه، بل هو شرك بالله كما سنبيِّنه قريبًا، فنقول: إذا كان التوسُّل بالنبي المرْسَل والملَكِ المقرَّب منْهيًّا عنه، فكيف بِمَن دونهما؟ لا شكَّ أن النَّهْي عن التوسُّل بغيرهما من بابِ أَوْلى وأحرى.