حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) ثم قال: ( حور مقصورات في الخيام) ، وهناك قال: ( فيهن قاصرات الطرف) ، ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت ، وإن كان الجميع مخدرات. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن أبي عبيدة ، عن مسروق ، عن عبد الله قال: إن لكل مسلم خيرة ، ولكل خيرة خيمة ، ولكل خيمة أربعة أبواب ، يدخل عليها كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم تكن قبل ذلك ، لا مراحات ولا طماحات ، ولا بخرات ولا ذفرات ، حور عين ، كأنهن بيض مكنون. وقوله: ( في الخيام) ، قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ، عرضها ستون ميلا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون ". ورواه أيضا من حديث أبي عمران ، به. وقال: " ثلاثون ميلا ". وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران ، به. ولفظه: " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن ، فلا يرى بعضهم بعضا ".
قوله تعالى: حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان قوله تعالى: حور مقصورات في الخيام حور جمع حوراء ، وهي الشديدة [ ص: 171] بياض العين الشديدة سوادها وقد تقدم. مقصورات: محبوسات مستورات في الخيام في الحجال لسن بالطوافات في الطرق ؛ قاله ابن عباس. وقال عمر رضي الله عنه: الخيمة درة مجوفة ، وقاله ابن عباس وقال: هي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله في قوله تعالى: حور مقصورات في الخيام: بلغنا في الرواية أن سحابة أمطرت من العرش فخلقت الحور من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلا وليس لها باب ، حتى إذا دخل ولي الله الجنة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها ، فهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين. والله أعلم. وقال في الأوليين: فيهن قاصرات الطرف قصرن طرفهن على الأزواج ولم يذكر أنهن مقصورات ، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل. وقال مجاهد: مقصورات قد قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم. وفي الصحاح: وقصرت الشيء أقصره قصرا حبسته ، ومنه مقصورة الجامع ، وقصرت الشيء على كذا إذا لم تجاوز إلى غيره ، وامرأة قصيرة وقصورة أي مقصورة في البيت لا تترك أن تخرج ، قال كثير: وأنت التي حببت كل قصيرة إلي وما تدري بذاك القصائر عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر وأنشده الفراء " قصورة " ، ذكره ابن السكيت.
وهما لغتان طمث وطمث مثل يعرشون ويعكفون ، فمن ضم فللجمع بين اللغتين ، ومن كسر فلأنها اللغة السائرة. وإنما أعاد قوله: لم يطمثهن ليبين أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة الحور القاصرات الطرف. يقول: إذا قصرن كانت لهن الخيام في تلك الحال.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قال: محبوسات، ليس بطوّافات في الطرق. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهن مقصورات في الخيام، والقصر: هو الحبس. ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر، بل عمّ وصفهنّ بذلك. والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم، كما عمّ ذلك. وقوله: ( فِي الخِيام) يعني بالخيام: البيوت، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما؛ ومنه قول لبيد: شـاقَتْكَ ظُعْـنُ الحَـي يَـوْم تَحَـمَّلُوا فَتَكَنَّسُــوا قُطُنــا تَصِــرُّ خِيامُهـا (1) وأما في هذه الآية فإنه عُنِيَ بها البيوت. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن سعيد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قال: الدر المجوّف. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله. حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: ثنا فضيل بن عياش، عن هشام، عن محمد، عن ابن عباس في قوله: (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.