الإجابة: الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فالندم هو ركن الأعظم في التوبة ، فقد صح أن رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ"؛ رواه ابن ماجة. وليس هو التوبة نفسها، ويتحقق الندم بلوم النفس عليه، ويتبعها من الحزن، أو شدة الحزن، والخوف، وقال الراغب: الندم التحسر على ما فات، وفسَّر أيضًا بالأسف، وهو الحزن أو المبالغة في الحزن. ماهو الذنب الذي لا توبة له جهاز. فتحصيل الندم ليس بالأمر الصعب فكل حزن يشعر به بعد فعل المعصية يحصل منه الندم المقصود للتوبة، وكذلك أي تألم للقلب على الذنب، وكل من علم جنايته فخاف مقام ربه أو عاقبة ذنبه حصّل الندم. والحاصل أن تحصيل الندم الذي يحمل على ترك المعصية، يتحقق لكل من ترك المعصية لكونها معصية لله تعالى، أو من تركها خوفًا من الله، أو كره وقوعه فيها. قال في "فتح الباري" (13/ 471) "... وقال غيره شروط التوبة ثلاثة الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود والتعبير بالرجوع عن الذنب لا يفيد معنى الندم بل هو إلى معنى الإقلاع أقرب وقال بعضهم يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه ومن ثم جاء الحديث الندم توبة وهو حديث حسن من حديث بن مسعود أخرجه بن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه بن حبان من حديث أنس وصححه".
وما في حديث الترمذي: أن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وعلى التائب أن يبتعد عما يجره للرذيلة من أصدقاء السوء ومن المثيرات وأن يكثر من الأعمال الصالحة، قال تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود:114}، وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {المائدة:39}. ماهو الذنب الذي لا توبة له هيكل خارجي دعامي. وأما مقولة أن الله يمهل ولا يهمل فهي صحيحة المعنى ولكنها في حق المصر على المعاصي ويدل لصحتها قول الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {إبراهيم:42}، وقوله تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى {فاطر:45}، وفي حديث مسلم: أن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته. ولكن من تاب إلى الله توبة نصوحا فإن المأمول من الله أنه يعفو عنه ويتقبل توبته ويرحمه ويبدل سيئاته حسنات، وأما كون العقاب من جنس الذنب فهذا قد يقع في بعض الذنوب دون بعض وقد لا يقع أصلاً، فقد يبتلى العاق بعقوق أبنائه له وقد يبتلى الزاني بخيانة أهل بيته نعوذ بالله، ولكن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في حديث ابن ماجه وحسنه ابن حجر.
فقد قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". وهذا يعني أنه سبحانه وتعالى يغفر جميع الذنوب إلا إذا كان هذا الذنب شركاً فإنه لا يغفره إذا مات صاحبه عليه، فيكون القاتل للمائة نفس داخلاً تحت هذه المشيئة إن شاء غفر له، وعفو الله واسع وإن شاء حاسبه.
قال ابن رجب: "وظاهر النّصوص تدلّ على أنّ من تاب إلى الله توبة نصوحًا، واجتمعت شروط التّوبة في حقّه، فإنّه يُقطع بقبول الله توبته، كما يُقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاماً صحيحاً، وهذا قول الجمهور، وكلام ابن عبدالبر يدلّ على أنّه إجماع". وقال أيضا ابن رجب: "ومجرّد قول القائل: اللّهمّ اغفر لي، طلبٌ للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدّعاء، إن شاء أجابه وغفر لصاحبه، لاسيّما إذا خرج من قلب منكسر بالذّنب، وصادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار، وأدبار الصّلوات". ويُروى عن لقمان عليه السّلام، أنه قال لابنه: "يا بنيّ عوّد لسانك: اللّهمّ اغفر لي؛ فإنّ لله ساعات لا يردّ فيها سائلاً".
ـ القتل، حيث أنه للقتل حق يتعلق به ثلاثة حقوق وهي حق الله سبحانه وتعالى، حق الولي والوارث، حق المقتول، فأما حق الله سبحانه وتعالى يزول بالتوبة وأما الوارث فأنه مخير بين ثلاثة أشياء إما القصاص قال تعالى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} سورة البقرة الاية 179. إما العفو إلى غير عوض، وإما العفو إلى المال، فعن جندب رضي الله عنه قال: حدّثني فلان أنّ رسول الله – صلّ الله عليه وسلّم – قال:" يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة، فيقول: سل هذا فيم قتلني؟ فيقول: قتلته على ملك فلان، قال جندب: فاتَّقِها "، رواه النسائي في تحريم الدم.