وقد يتوجه معنى قوله { ذَلِكَ هُدَى} إلى أن يكون ذلك من ذكر القرآن، فيكون معنى الكلام: هذا القرآن بيان الله يهدي به من يشاء، يوفق للإيمان به من يشاء. وقوله: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله عن الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه، فيضله عنه، { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يقول: فما له من موفق له، ومسدد يسدده في اتباعه.
وعن سعيد بن جبير قال: يشبه بعضه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، ويدل بعضه على بعض. وقوله: { مَثَانِي} أي تثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، عن الحسن في قوله: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} ثنى الله فيه القضاء، تكون السورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها، عن مجاهد قال: { كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} قال: في القران كله، عن قتادة { مَثَانِي} قال: ثنى الله فيه الفرائض، والقضاء، والحدود. الله نـزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون - الآية 23 سورة الزمر. عن ابن عباس رضي الله عنهما { مَثَانِي} قال: كتاب الله مثاني، ثنى فيه الأمر مرارا. عن السدي { مَثَانِي} قال: ثنى في غير مكان، وقال ابن زيد في قوله: مردد، ردد موسى في القرآن وصالح و هود والأنبياء في أمكنة كثيرة. وقوله: { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يقول تعالى ذكره: تقشعر منه سماعه إذا تلي عليهم جلود الذين يخافون ربهم { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} يعني إلى العمل بما في كتاب الله، والتصديق به. { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يقول تعالى ذكره: هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم، ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله من بعد ذلك، { هُدَى اللَّهِ} يعني: توفيق الله إياهم وفقهم له { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يقول: يهدي تبارك وتعالى بالقران من يشاء من عباده.
فالتحدي مستمر للعالمين بالقرآن، وكيف لا والله العليم هو المنزل وهو يقول: ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)) [سورة الزمر]. فالقرآن هو أحسن الحديث، فبأي حديث بعده يؤمنون، إن المؤمنين به هم الذين يخشون ربهم اللطيف الخبير، ويعلمون أن هداه نور للصدور، ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)) [سورة الزمر] صدق الله العظيم. وبعد أيها الإخوان، فإن السؤال الآن؛ ستجدون في الجزء الثامن والعشرين من القرآن، آية كريمة واضحة الإعلان؛ بأن الرواسي لو سمعت القرآن لاستجابت للرحمن، ولتهشمت من حسن البيان؛ نرجو أن تعرفوا الآية رقماً والسورة اسماً والسلام عليكم ورحمة الله. الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني. ***
كتابا " نصب على البدل من " أحسن الحديث " ويحتمل أن يكون حالا منه. " متشابها " يشبه بعضه بعضا في الحسن والحكمة ويصدق بعضه بعضا ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف. وقال قتادة: يشبه بعضه بعضا في الآي والحروف. وقيل: يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه ، لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، وإن كان أعم وأعجز. ثم وصفه فقال: " مثاني " تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام ، وثني للتلاوة فلا يمل. " تقشعر " تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد. الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " أي عند آية الرحمة. وقيل: إلى العمل بكتاب الله والتصديق به. وقيل: إلى ذكر الله يعني الإسلام. الثانية: عن أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما قالت: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله ، تدمع أعينهم ، وتقشعر جلودهم. قيل لها: فإن أناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه. فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وقال سعيد بن عبد الرحمن الجمحي: مر ابن عمر برجل من أهل القرآن ساقط ، فقال: ما بال هذا ؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط. فقال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط.
إن كان لك قاضٍ مثله قد سكنك من حيث علمتَ أم لم تعلم فاقتله في مهده قبل أن يكبر، فإن لم تفعل فعزائي لكَ، فقد مات السلام فيكَ موتةً لا نشور لها من بعد، فمن مثل هذا تُطلق الأحكام جزافاً على غيرك، ومن مثل هذا تولد صراعاتك مع نفسك وتخاصمك الدائم معها وإحجامك عن عقد الصلح. لكي ترقع الفتق في ثوب نفسك، عليكَ أن تقبل الفتق أولاً، اقبل ضعفك وانكساراتك، وهزائمك وزلاتك، ونقصك ومخاوفك، ارمِ بذكريات الأسى والقهر عبر النافذة، واحمل قهرك وآلامك على جنح الريح فتأخذها عنك مكانًا قصيًا، اقبلها وستتوقف عن تصنيف الناس وإخضاعهم لأحكامك، والبحث عن أشباهك ونظائرك، فالناس ليسوا مرآتك، ولم يُخلق الكون على مبدأ التسوية أبداً، قد فعلها غيرك قبل ملايين السنين من ولادتك ولم يفلح، ناقشَ الله على مفاضلة الطين والنار فتوعده بالنار واندحر مهزوماً، أما على سبيل الطينة والطينة فلكَ أن تعد الاختلاف ولن تحصيه، ولكَ أن تلهث وراء النظير ولن تبلغه، فأنتَ تلهث وراء ما يخالف الفطرة، فطرة الاختلاف.
فقال: يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني. قالت: يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتك واستعن بالله. فقبل رأسها وقال: هذا رأيي والذي قمت به داعياً إلى يومي هذا ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله وأن تستحل حرماته، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فقد زدتني بصيرة، فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر إلى الله. وكأنه يقول للحجاج.... فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا - منتدى الرقية الشرعية. يا حجاج "اقض ما أنت قاض" إنما تقضي هذه الحياة الدنيا، إنها سير الأولين من المؤمنين الصالحين، وطريق كل من سار على دربهم واهتدى بسنتهم واستقى من منهلهم. أيها المبتلى بجور ظالم وتسلط مجرم وقيد جلاء.. سر على بركة الله وآمن بقضائه سبحانه وليلهج لسانك بما لهجت به ألسنة الفائزين "اقض ما أنت قاض" والله أعلم وأحكم.. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.