4- درسنا السيرة جميعا ونعرف كيف تعايش رسول الله مع الكفار ومع اليهود وكيف جاورهم فكان لهم خير الجار، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يعودهم في مرضهم ويطعم من طعامهم بل إنه كان يتعامل معهم في الأمور المالية، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي، كما ثبت أنه كان يستقبل وفود الكفار وأفرادهم في مسجده وليس في مكان آخر. فهل كان المصطفى في حياته العملية مخالفا لفهم الإسلام وأحكام الشريعة وحاشاه أن يفعل ذلك؟!! "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" لا يعقل أنّ الله سبحانه الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين؛ أن يرسله رحمة للعالمين ثم يأمره ويأمر من اتبعه بمعاملة الناس بالجفاء والغِلظة والقطيعة إذا استثنينا حالة الحرب والقتال كما أسلفنا. بل حتى في حالة الخصام والبغض والعداوة أراد الله من المسلمين أن يعاملوا الكفار بالعدل والإنصاف: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون". وما ينطبق على الأفراد ينطبق على مستوى الدول، فالانعزال عن المجتمع الدولي والمحافل الدولية والحضور الإعلامي الدولي ليس في صالح الإسلام والمسلمين أبدا.
ومثله قوله تعالى: وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (النحل: 14). فالله عز وجل بعد أن ذكرنا بتذليل هذه البحار الضخمة، وعدد لنا أصنافاً من منافعها قال تعالى: ولتبتغوا من فضله بما ينبئ بأن هناك منافع أخرى علينا أن نسعى في تحصيلها والاستفادة منها، ويشهد لهذا المعنى قول الله تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (الملك: 15)، قال الشيخ عطية محمد سالم في تكملته على أضواء البيان: (والأمر في قوله تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه للإباحة. ولكن التقديم لهذا الأمر بقوله تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فيه امتنان من الله تعالى على خلقه مما يشعر أن في هذا الأمر مع الإباحة توجيهاً وحثاً للأمة على السعي والعمل والجد، والمشي في مناكب الأرض من كل جانب لتسخيرها وتذليلها، مما يجعل الأمة أحق بها من غيرها). إحسان العمل والآيات والأحاديث التي تدعو الى التميز والإبداع في العمل كثيرة، خذ مثالاً على ذلك قول الله تعالى: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب قال الألوسي رحمه الله تعالى: (وقال: زيد بن أسلم: المعنى أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وحفر أنهار وغرس أشجار وغير ذلك، فالسين للطلب، والى هذا ذهب الكيا، واستدل بالآية على أن عمارة الأرض واجبة لهذا الطلب) وإن شئت قل عمارتها بكل ما يجعل الحياة فيها أهنأ وأسهل وأجمل وفق مراد الله تعالى، ومنهجه القويم مطلب شرعي على المسلم أن يحوز شرف السبق في تحقيقه ليكون الأنموذج الأمثل في المنهج والتطبيق.