((وعموده: الصلاة))؛ أي: المفروضة، وعمود الشيء هو الذي يقيمه، ولا ثباتَ له في العادة بغيره، ولأن الصلاة عماد الدين وقوامه الذي يقوم به، وكما أن العمود يرفع البيت ويهيئه للانتفاع، فكذلك الصلاة ترفع الدِّين وتظهره. ((وذروة سنامه: الجهاد))؛ أي: أعلى ما في الإسلام وأرفعه الجهاد؛ لأن به إعلاء كلمة الله، فيظهر الإسلام ويعلو على سائر الأديان، وليس ذلك لغيره من العبادات، فهو أعلاها بهذا الاعتبار. وقيل: لا شيء من معالم الإسلام أشهر ولا أظهر منه، فهو كذروة السنام التي لا شيء من البعير أعلى منه، وعليه يقع بصر الناظر من بُعد. وهل يكب الناس على وجوههم الا حصائد السنتهم. ووجه إيثار الإبل بالذكر في تشبيه مكانة الجهاد بذروة السنام أنها خيارُ أموالهم، ومن ثم كانوا يشبِّهون بها رؤساءهم؛ اهـ. ((ثم قال)) النبي صلى الله عليه وسلم ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك)) الأمر ((كله؟ فقلت: بلى يا رسول الله)) أخبرني، ((فأخذ)) النبي صلى الله عليه وسلم ((بلسانه))، والمعنى أمسك لسان نفسه بيده، والحكمة في ذلك المبالغة في الزجر، ((وقال: كف عليك هذا))؛ أي: لا تتكلم بما لا يعنيك، وكفُّ اللسان عن المحارم سلامة، والسلامة في نظر العقلاء مقدمة على الغنيمة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت)).
((وإنه))؛ أي: العمل الذي يدخل الجنة ويباعد عن النار ((ليسيرٌ))؛ أي: هين ((على من يسره الله تعالى عليه))؛ أي: سَهْل على مَن سَهَّله الله عليه بتوفيقه وتهيئة أسبابه له، وشرح صدره إليه، وإعانته عليه. ((تعبد الله لا تشرك به شيئًا)) وعبادة الله سبحانه وتعالى هي القيام بطاعته؛ امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، مخلصًا له. ((وتقيم الصلاة)) ومعنى إقامتها أن تأتي بها مستقيمة تامة الأركان والواجبات والشروط. ((وتؤتي الزكاة))؛ أي: المفروضة بأن تدفعها لمستحقيها، ((وتصوم رمضان))؛ أي: شهر رمضان، والصوم هو التعبد لله تعالى، بالإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ((وتحج البيت))؛ أي: تقصد البيت الحرام، وهو الكعبة، لأداء المناسك. شرح حديث: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه. ((ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟))؛ أي: الطرق الموصلة إليه. ((الصوم جُنةٌ)) المراد بالصوم هنا غير رمضان؛ لأنه قد تقدم، ومراده الإكثار من الصوم، والجُنة المِجَن؛ أي: الصوم سترة لك ووقاية من النار. ((والصدقة تطفئ الخطيئة)) المراد غير الزكاة؛ أي: تمحوها وتذهب أثرها؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأتبِعِ السيئةَ الحسنة تمحها)) [7].