في عالم اليوم برزت ظاهرة تستحق التمعن والتدقيق والدراسة وهي: ظاهرة كثرة تداول مقاطع الفيديو المضحكة، حتى لو تضمنت مناظر بائسة ووقوع ضحايا و إصابات مميتة، وانكشاف عورات وتبرج مقيت وانزلاقات أخلاقية وعقائدية كبرى، وهذا الأمر أثار تساؤلات عدة في ذهني ، لا سيما عندما اُشاهد مقطعا لرجل أو امرأة، يستمر في تصوير ضحايا مقربين له دما ونسبا وهم في أمس الحاجة لمساعدته قبل وقوع حادث كالسقوط أو الانزلاق، فيؤثر ذاك المصور توثيق الحرج الذي وقعوا فيه على مد يد العون في استنقاذهم! و ينشر ذلك الشخص المقطع الذي صوره على الملأ على أنه موقف مضحك ليشارك به الآخرين بدلا من إيقاف التصوير وتنبيه الضحايا قبل وقوع الحادث. سوء الفهم والتوظيف لمصطلح الروقان بين بعض الشباب و الفتيات، أدى إلى إنكار الواقع الذي يعيشون، والكفر به والتركيز فقط وفقط على مجالسة أصحاب الطرب والوناسة، وشلل الطرافة ومتابعة بعض قروبات العالم الافتراضي؛ لتبادل مقاطع الفيديو للمواقف المضحكة، والأدهى أن هذا المفهوم عن الروقان استطال ليشمل مفهوم الإيجابية، و تعريف الإنسان الإيجابي في أذهان البعض منهم، فأصبح لدى البعض تصور أن مفهوم الإيجابية والتفاؤل، هو سماع الكلام المنمق والحلو ودغدغة المشاعر ورسم الأحلام الوردية، حتى لو كان ذلك الكلام وقائله مُخالفان للواقع المُعاش والإمكانات المتاحة والفرص المتوفرة والإحصائيات الرسمية المنشورة.
التفاؤل شيء جميل وكل العقلاء يتبنونه ويعملون به، تطلعا لمستقبل أفضل ويوم أجمل، إلا أن درجات التفاؤل لدى البعض أخذت منحى غير منطقي وغير عُقلائي. الإنسان الإيجابي يواجه الواقع بتحدياته، ويسخر كل طاقاته لتوظيف الأحداث في خلق أفضل الممكن، وينظر للزوايا الجميلة في الأحداث، ولا ينكر أو يهرب من الواقع بالانغماس في مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة بشكل مستمر، أو سماع الأغاني ليل نهار، أو إحاطة النفس بأهل الهزل والمهايط، فكما ينتقد البعض وأنا أيضا انتقد موضوعيا انغماس البعض في حالات الحزن الدائم وتجديد الأحزان المستمر والهروب من معالجة تحديات الواقع، كذلك ينتقد البعض وأنا أيضا أنتقد موضوعيا معهم ، انغماس البعض في تصنع الإيجابية غير الموضوعية و التفاؤل غير المنطقي والروقان البائس. فلا المتفائل المفرط ولا صاحب الحزن المنغمس في حزنه، صنعوا حلولا عملية لتحديات الحياة ، ولم يساهموا في صنع واقع أفضل لأنفسهم و لأسرهم، و لمن هم حولهم ولمجتمعهم، فضلا عن المجتمع الإنساني، فالتوازن والموضوعية والسعي النشيط لحلحلة الأمور وطرح الحلول الفاعلة، تبدأ بالموضوعية في قراءة الوضع والتفاؤل في إيجاد المخارج والإيجابية المتزنة في التنفيذ للحلول.