علمتني سورة يوسف (5) - YouTube
علمتني أن أنزع اليأس من قلبي مهما بلغت بي حالة البؤس ففي الغيب أسرار عجيبة "عسي الله أن ياتيني بهم جميعًا". علمتني قد لا يكون أعداؤك في وطن آخر فقد يكونون ممن يقاسمونك رغيفك وأنت لا تدري " فيكيدوا لك كيدًا". علمتني أن المظلوم منصور ولو كان صغيرًا لا يدرك أو مكلومًا لا يفصح أو غافلاً لا يعي أو عاجزًا لا يتنصر. علمتني سورة يوسف أنها "أحسن القصص" فلن يكون فيها قبيح بكل حسن تحبه الأنفس. علمتني معنى الدعاء الذي نسمعه دائمًا "وتولّنا في من تولّيت"، تولى الله عز وجل أمر يوسف عليه السلام، فأحوج القافلة في الصحراء للماء ليخرجوه من البئر. ثم تولى أمره فأحوج عزيز مصر للأولاد ليتبناه.. ثم تولى أمره فأحوج الملك لتفسير الرؤيا ليخرجه من السجن.. ثم تولى أمره أيضا - ولكن هذه المرة - أحوج مصر كلها للطعام ليصبح هو عزيز مصر، فإذا تولى الله أمرك سخر لك أسباب السعادة.. وأنت لا تشعر. علمتني التواضع وإنكار الذات.. "أنا يوسف و هذا أخي".. لم يقل أنا عزيز مصر، بل ذكر اسمه خاليًا من أي صفة.. صاحب النفس الرفيعة، ﻻ يلتفت إلى المناصب ولا الرتب. علمتني أن ﻄﺮﻳﻖ ﺍﻻﺟﺘﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﻣﺤﻔﻮﻑ ﺑﺎﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ.. ﺗﺄﻣﻞ ﺃﺭﺍﺩ ﺇﺧﻮﺓ ﻳﻮﺳﻒ ﺃﻥ ﻳﻘﺘﻠﻮﻩ ﻓﻠﻢ ﻳَﻤُﺖ.. ﺛﻢ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﻘﻄﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ فيمحى أثره ﻓﺎﺭﺗﻔﻊ ﺷﺄﻧﻪ.. ﺛﻢ بيع ﻟﻴﻜﻮﻥ ﻣﻤﻠﻮﻛًﺎ ﻓﺄﺻﺒﺢ ﻣﻠﻜًﺎ.. ﺛﻢ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﻤﺤﻮﺍ ﻣﺤﺒﺘﻪ ﻣﻦ ﻗﻠﺐ ﺃﺑﻴﻪ ﻓﺎﺯﺩﺍﺩﺕ.. ﻓﻼ ﺗﻘﻠﻖ ﻣﻦ ﺗﺪﺍﺑﻴﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻓﺈﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻮﻕ ﻛﻞ ﺇﺭﺍﺩﺓ.
يتبنى «المقريزى» فى خططه نظرية شديدة العجب فيما يتصل بعلاقة الرجل بالمرأة فى مصر، قد يكون من المفيد أن نتوقف أمام جانب من تفاصيلها. توقف المؤرخ الكبير أمام علاقة المرأة بالرجل فى مصر، ودمغ رجال المحروسة بـ«قلة الغيرة»، واستند فى ذلك إلى ما حكاه القرآن الكريم فى قصة يوسف، حينما راودته امرأة العزيز عن نفسه، ولما علم العزيز بالأمر لم يعاقبها، وإنما اكتفى بأن يقول لها بنص القرآن: «وَاسْتَغْفِرِى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ». هذا الاستدلال عليه تحفُّظ، فالمقريزى نسى أن نبى الله يوسف تزوج امرأة العزيز فيما بعد، ناهيك عن سذاجة اختزال رجال دولة بأكملها فى شخص رجل واحد منها. لم يتفهم «المقريزى» الشوط الحضارى الذى قطعته مصر فى ذلك الزمان، ولم يخرج عن مربع التفكير النابع من البيئة الصحراوية ونظرتها إلى المرأة. ونحن لا نتزيد فى هذا التحليل، ويكفى لكى تتأكد من ذلك أن تراجع قول الله تعالى فى سورة يوسف: «وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى». نبى الله يوسف يخاطب فى هذه الآية أبويه، ويشير إلى أنهما كانا يعيشان فى البدو، إلى أن منَّ الله عليهما بالانتقال إلى «يوسف» فى مصر.