وقال تعالى في سورة آل عمران { فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} فقوله تعالى { بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ} يعني التي تأتيهم بها الملائكة وترشدهم اليها ، وقوله { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} يعني من الشياطين والجن والنفوس الشريرة لأنّ الملائكة تحرسهم. وقال تعالى في سورة يونس { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} فقوله تعالى { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} يعني في عالم البرزخ لهم الحسنى وزيادة من الله { وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} كما يرهق الكافرين { وَلاَ ذِلَّةٌ} كما يلحق الفاسقين والمنافقين في عالم البرزخ { أُوْلَئِكَ} المؤمنون { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} يوم القيامة. وقال عزّ من قائل في سورة الليل { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} يعني بعد موته نيسّره لليسرى وذلك في عالم البرزخ. وقال تعالى في سورة الانعام { لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} والمعنى لهم دار السلام عند ربهم في عالم الأثير, والله يتولى أمورهم جزاء بما كانوا يعملون.
قوله تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنىٰ وزِيٰادَةٌ} [يونس: 26]. الظاهر أنه لا دلالة على ما قالوه لأن الزيادة لا تعقل بمعنى الرؤية. فإذاً لا يجوز أن يخاطب الله عباده بما ليس في لغتهم إلا مع البيان لذلك. وإنما يصح ذلك في الشرع من حيث لم يكن لما أمر به في أصل اللغة اسم موضوع وليس كذلك الرؤية. ولا بيان هاهنا. وأما حمل الآية على الحديث (1) المروي عن أبي بكر فإسناده غير مرضي ثم إن رد ذلك إلى مخصوص جائز ما لم يرده اللغة والأصول. فاللغة تنفي ذلك لأن الزيادة على الشيء لا تكون إلا من جنس ذلك الشيء ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول: له عشرة دراهم وزيادةٌ. ثم تكون الزيادة ثوباً. وإن الزيادة على الشيء لا تكون أفضل من الشيء المذكور بل تكون دونه. فلما كانت رؤيته أفضل من جميع الثواب ومن الجنة لم يجز أن يكون المراد بلفظ " الزيادة " الرؤية. وقولهُ: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنىٰ} [يونس: 26] ، مثل قوله: { عٰاقِبَةَ الَّذِينَ أَسٰاؤُا السُّواىٰ} [الروم: 10]. فمعنى (الحسنى): الثواب. ومعنى (السُّوْأى) العقاب. ومعنى الآية مفسر في القرآن في مواضع وهو أنه يعني به: أن للمحسن جزاء إحسانه وزيادة تحصل له لا يستحقها بفعله ، كما قال: { مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا} [الأنعام: 160] ، { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ويَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 30].