أما الاحتمال الثاني فهو انقسام داخلي في أوكرانيا لكيانين منفصلين، شرقي ينضم لروسيا وغربي يرتبط بالغرب. والاحتمال الثالث، وهو الأقوى برأي هنتنغتون، أن تبقى أوكرانيا موحّدة وممزّقة داخليا لكن تحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا. أزيل خدوش روحي .....نثرية لعبدالحليم الطيطي. خسرت روسيا الكثير من قوة تأثيرها ومن شعبيتها في مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، التي كانت تاريخيا الأقرب حضاريا ودينيا ولغويا منها الأمر الأهم الذي بقي من تنظيرات هنتنغتون بالنسبة لأوكرانيا وهو تأكيده على الأهمية السياسية للفروق والخلافات بين شرقيها وغربها. لكن الحرب أحدثت تغييرا في هذا الأمر، حيث خسرت روسيا الكثير من قوة تأثيرها ومن شعبيتها في مناطق واسعة من شرق أوكرانيا، التي كانت تاريخيا الأقرب حضاريا ودينيا ولغويا منها. وهذا بحد ذاته يضع حدودا لتقدم الجيش الروسي في حملته الجديدة في الشرق. لقد وحّدت الحرب الشعب الأوكراني أكثر فأكثر، والذين كانوا حتى الماضي القريب قابلين لاستقبال الجنود الروس استقبال الفاتحين، صاروا في ظل القتل والدمار ينظرون إلى الجيش الروسي كقوة غازية ومعتدية ومحتلة، ولم يعد هذا الموقف حكرا على المحاربين الأوكرانيين ذوي التوجهات القومية المتطرفة، المشاركين في معارك الشرق والجنوب.
وقد سارع من يحملون هذا الرأي إلى الاستنتاج بأن المصلحة الأمريكية هي «وضع حد» لروسيا من الآن، واستغلال الحرب الدائرة في أوكرانيا لإنهاك الدب الروسي، ومعاقبة روسيا هو هدف مستقل بحد ذاته وأوكرانيا هي فرصة وذريعة، وليس معروفا عن الولايات المتحدة حرصها على فرض عقوبات على من يحتل بلاد الغير بالقوّة. حلم السنين كلمات سر. لا يمكن تجاهل تنظيرات هنتنغتون، والاكتفاء برميها في خانة «الفكر الشرّير» بالضبط لأن من السخافة عدم دراسة «أمير» مكيافيلي لمعارضة مواقفه الأخلاقية أو اللاأخلاقية. قراءة ما كتبه هنتنغتون في التسعينيات عن أوكرانيا تدل على أنّه أصاب في بعض التقديرات والتقييمات وأخطأ في غيرها. ومن المفيد مثلا أن نواجه الذين يعتمدون عليه لاستشراف المستقبل بإخفاق تنبؤاته قبل ربع قرن حول تطوّرات قضية أوكرانيا، فقد طرح ثلاثة احتمالات، لم يتحقق أي منها. الاحتمال الأول هو استمرار التوتّرات بين روسيا وأوكرانيا وحلّها بالتفاهم بين القيادات، على اعتبار أنّه «إذا كانت الحضارة هي العامل المقرّر، فإن من غير المحتمل أن تكون مواجهات عنيفة بين الروس والأوكرانيين فهم سلافيون وأرثوذكس وعلاقاتهم التاريخية عريقة وقوية ستصمد في وجه ضغوط قوميين متطرفين من كلا الطرفين».