والسياق يدل على أن المراد به أنه صلى الله عليه وآله وسلم على خيرة من قبول من وهبت نفسها له أو رده. وقوله: (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)، الابتغاء هو الطلب أي ومن طلبتها من اللاتي عزلتها ولم تقبلها فلا اثم عليك ولا لوم أي يجوز لك أن تضم إليك من عزلتها ورددتها من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لك بعد العزل والرد. ويمكن أن يكون إشارة إلى أن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم بين نسائه وأن يترك القسم فيؤخر من يشاء منهن ويقدم من يشاء ويعزل بعضهن من القسم فلا يقسم لها أو يبتغيها فيقسم لها بعد العزل وهو أوفق لقوله بعده: (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى - أي أقرب - أن تقر أعينهن - أي يسررن - ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم) وذلك لسرور المتقدمة بما قسمت له ورجاء المتأخرة أن تتقدم بعد. وقوله: (ان الله كان عليما حليما) أي يعلم مصالح عباده ولا يعاجل في العقوبة. وفى الآية أقوال مختلفة أخر والذي أوردناه هو الأوفق لوقوعها في سياق سابقتها متصلة بها وبه وردت الاخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما سيجئ. تأويل قوله تعالى لا يحل لك النساء ... - إسلام ويب - مركز الفتوى. قوله تعالى: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) الخ، ظاهر الآية لو فرضت مستقلة في نفسها غير متصلة بما قبلها تحريم النساء له صلى الله عليه وآله وسلم الا من خيرهن فاخترن الله ونفى جواز التبدل بهن يؤيد ذلك.
انتهى من تفسير ابن جرير (19/ 152- 155) باختصار. وقال السمرقندي: قال الحسن وابن سيرين: خيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بين الدنيا والآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فشكر الله لهن على ذلك فحبسه عليهن. فقال: ﴿ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ﴾ يعني: لا يحل لك أن تطلق واحدة منهن، وتتزوج غيرها. بحر العلوم للسمرقندي (3/ 70). لا يحل لك النساء من بعد. وقال البغوي: لما خيَّرهن النبي صلى الله عليه وسلم فاخترن الله ورسوله شكر الله لهن، وحرَّم عليه النساء سواهن، ونهاه عن تطليقهن، وعن الاستبدال بهن، هذا قول ابن عباس وقتادة. تفسير البغوي (3/ 653). وقال الزمخشري: التسع نِصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج، كما أن الأربع نِصاب أمته منهن، فلا يحل له أن يتجاوز النصاب، ولا أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجا أخر بكلهن أو بعضهن، أراد الله لهن كرامة، وجزاء على ما اخترن ورضين، فقصر النبي صلى الله عليه وسلم عليهن، وهي التسع اللاتي مات عنهن. الكشاف للزمخشري (3/ 553). وقال ابن عاشور: المعنى: أن من حصلت في عصمتك من الأصناف المذكورة لا يحل لك أن تطلقها. التحرير والتنوير لابن عاشور (22/ 79). فائدة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء) رواه الترمذي (3216) وصححه هو والألباني.
وقد قيل: إنه طلق حفصة بنت عمر ثم راجعها، وعلى كل اعتبار فقد راجعها فلم تطلق واحدة منهن ألبتة، ولم يتزوج عليهن بعد ذلك، ومن وهبت نفسها لم يقبلها، ولم تكن عنده واحدة ممن وهبن أنفسهن له، كما نص على ذلك ابن عباس والإمام الزهري. وقوله: (ولو أعجبك حسنهن) أي: قد يرى النبي عليه الصلاة والسلام امرأة تأتيه فتكون عذراء أو أرملة أو واهبة فيلفت جمالها نظره، فقال له الله تعالى: لا تتزوج على هؤلاء ولا تستبدل واحدة منهن بغيرها، ولو كن جميلات في نظرك. وكون النبي صلى الله عليه وسلم رآهن أو يمكن أن يراهن لم يحدث هذا، ولكن من باب الفرض، والله قد أحل له ذلك وأباحه، وهذا مصرح به من النبي عليه الصلاة والسلام فقد جاءه المغيرة بن شعبة وقد خطب فقال له: (هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: لو نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً) ، قيل: كان في أعين الأنصار صفر، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن يتزوج فلينظر إلى من يريدها فإن ذلك أدوم للنكاح بها، أو آدم). وفي حديث آخر: (من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إليها) ، أو: (فلينظر إلى ما يعجبه منها).