masonicoutreachservices.biz

masonicoutreachservices.biz

لا يسأل عما يفعل وهم يسألون

Monday, 29-Jul-24 23:41:22 UTC

فلتحذروا عباد الله من التمادي في الغفلة والإعراض عن الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، فلقد ندد الحق جل وعلا بالغافلين، وأشاد بالمتقين، الذين جانبوا هوى النفس، وعملوا للدار الآخرة، فقال سبحانه مبيناً مآل كل فريق وجزاءه: ( فأمَّا من طغى ، وآثر الحياةَ الدنيا ، فإن الجحيم هي المأوى ، وأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النَّفس عن الهوى ، فإن الجنَّة هي المأوى) [النازعات:37-41]. فصل: قال الماوردي:|نداء الإيمان. وروى الإمام أحمد وأبو داود أن رسول الله e قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكَلَة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، تُنْتَزَعُ المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوَهَن، قال: قلنا: وما الوَهَن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). فاتقوا الله عباد الله، ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، إنَّ الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) [فاطر:5-6]. نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

فصل: قال الماوردي:|نداء الإيمان

فالسؤال الجاد –وهو سؤال غير الجاهل– نوع من المحاسبة، والمحاسبة لا تكون إلا نتيجة تعاقد. فمثلاً: إذا تضارب رجلان، فكان لأحدهما مال وضعه تحت تصرف الآخر لاستثماره بشكل معين؛ فإن لصاحب المال أن يحاسب الآخر، لمعرفة ما إذا كان ملتزماً بصيغة العقد أم لا؟! وأما صاحب رأس المال، فليس مسؤولاً من قبل المضارب، لأنه صاحب رأس المال. والحاكم يُسأل عما يفعل من قبل الشعب، لأن الشعب صاحب المصلحة الحقيقية، وينتخب فرداً معيناً وفق دستور معين –وهذا هو التعاقد بينهما–، ثم يضع تحت تصرف ذلك الفرد كل قدراته، فيكون من حقه أن يحاسب ذلك الفرد، لمعرفة ما إذا كان ملتزماً بصيغة العقد أم لا؟ فالحاكم مسؤول بهذا الاعتبار. أما الشعب ذاته، فليس مسؤولاً كاملاً من قبل حاكمه، لأن الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية والحاكم هو المضارب. من كل ذلك نعرف: – طبقاً لتعابيرنا الاقتصادية والسياسية – أن المالك لا يكون مسؤولاً، وإنما المتصرف وفق عقد معين هو المسؤول. وبما أن الله – تعالى – هو مالك كل شيء، وقد وضع بعض الأشياء تحت تصرف الناس وفق عهد معين: ((وإذ أخذ ربك من بني آدم – من ظهورهم – ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم: أ لست بربكم؟! قالوا: بلى... شهدنا))(21)، وفي نهج البلاغة – عند بيان فلسفة بعثة الأنبياء إلى الناس –: (... ويذكروهم منسيَّ نعمته)(22)؛ فمن حقه –وحده– أن يسأل الناس جميعاً عن مدى التزامهم بذلك العقد وعدم التزامهم، وليس من حقهم أن يسألوه عن شيء، لأنهم لم يملكوا شيئاً ليضعوه تحت تصرفه وفق عقد معين.

لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ كتبه/ طلعت مرزوق الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فقد قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "يقول -تعالى- ذكره-: لا سائل يسأل ربَّ العرش عن الذي يفعل بخـلقه مِن تصريفهم فـيـما شاء من حياة وموت، وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من حكمه فـيهم؛ لأنهم خـلقه وعبـيده، وجميعهم فـي ملكه وسلطانه، والـحكم حكمه، والقضاء قضاؤه، لا شيء فوقه يسأله عما يفعل، فـيقول: له لـِمَ فعلت؟ ولـمَ لـمْ تفعل؟! ( وَهُمْ يُسْئَلُونَ) يقول -جلَّ ثناؤه-: وجميع مَن فـي السموات والأرض مِن عبـاده مسؤولون عن أفعالهم، ومـحاسبون علـى أعمالهم، وهو الذي يسألهم عن ذلك ويحاسبهم علـيه؛ لأنه فوقهم ومالكهم، وهم فـي سلطانه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل؛ فذكر عن قتادة قال: لا يُسئل عما يفعل بعبـاده، وهم يُسئلون عن أعمالهم. وعن ابن جريج قال: لا يُسئل الـخالق عن قضائه فـي خـلقه، وهو يَسأل الـخـلق عن عملهم. وعن الضحاك قال: لا يُسئل الـخالق عما يقضي فـي خـلقه، والـخـلق مسؤولون عن أعمالهم" (تفسير الطبري). قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ): لعظمته وعزته، وكمال قدرته، لا يقدر أحدٌ أن يُمانعه أو يُعارضه، لا بقول، ولا بفعل، ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها وإتقانها، أحسن كل شيء يقدره العقل، فلا يتوجه إليه سؤال؛ لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال.