الثلاثاء 13 سبتمبر 2016 11:20 ص البلبلة والتناقض في أخبار "كُثيّر عزة" تثير وتغري إلى أقصى حدود الإثارة والإغراء، فهناك خلاف على تاريخ مولده، ووفاته أيضاً، وهو معروف بشدة مغالاته في حب أهل البيت، ومع ذلك معروف بمدائحه لخلفاء بني أمية، كما أن هناك ثلاث روايات مختلفة عن لقائه الشهير بعزة، وأكثر من ذلك هناك تشكيك بقصة حبه من أصلها، فهل كانت عزّة حبيبته حقاً أم اسماً استعاره في نسيبه؟ عرف الشاعر كُثير، أكثر ما عرف، بقصة حبّه لعزّة، التي كان يكنيها في أشعاره بـ"أم عمرو" أو "الضميرية" أو "ابنة الضمري"، و"الحاجبية". ومع أن ذلك الحب، وتلك القصة يمثلان جانباً واحداً من سيرته، إلا أنه أكثر ما تناقله الناس عنه، وما أوردته كتب الأخبار. وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الشهير بأبي جمعة. عاش في المدينة (وولد فيها ربما في حدود سنة 40 هـ. )، وتوفي عام 72 هـ، أو 82 هـ. يقال إنه عاش في مصر حيث انتقلت عزة بعد زواجها، ويروى أنه زار قبرها "ورثاها، وتغير شعره بعدها". كثير وعزة، قصّة لقاء شاعر بحبيبته في الحج - رصيف 22. كان يكنّى "أبا صخر"، ويسمّى "كُثَيِّر" بصيغة التصغير "فُعَيّل". يصف كثير حبيبته عزة في الأبيات التالية بأنها نار وهاجة تكاد تكون نجماً، فكأنها تحرق وتضيء في آن معا: لعزة نار ما تبوخ كأنها إذا ما رمقْناها من البعدِ كوكبُ ومن أرق وأعذب أشعاره لعزة قصيدته التي مطلعها: خليليَّ هذا ربعُ عُزَّةَ فاعقلا قلوصيكُما ثمَّ ابكيا حيثُ حلَّتِ والقَلُوصُ هي الإبل الفتيّة، وعقلُ الناقة هو ضمُّ رسغها إلى عضدها وربطهما معاً لتظلّ باركة في مكانها.
وفي معاكسته للمستحيل، يتخيّل كثير عدداً من السيناريوهات التي يمكن أن تجمعه مع عزّة، أختتم بإحداها حيث يتمنّى لو أنه وعزّة بعيران مصابان بالجرب، يرعيان ثم يضيعان معاً في الخلاء، فيقول: ألا ليتنا يا عزّ كنّا لِذِي غِنى بعيرين نرعى في الخلاء ونعزبُ كلانا به عرٌّ فمَن يَرَنا يقُلْ على حسنها جرباءُ تُعدي وأجربُ إذا ما وردنا منهلاً صاح أهلهُ علينا فما ننفك نُرمى ونُضربُ نكونُ بعيريْ ذي غنى فيضيعُنا فلا هو يرْعانا ولا نحن نطلُبُ إظهار التعليقات
ولذا فإن السؤال عما هو واقعي وما هو من نسج الخيال يغدو ممتعاً ومستحيلاً في الوقت نفسه. أخبار لقاء كثير وعزّة تدّعي لقصتهما وجوداً مادياً خارج أشعاره. بداية، ورد أن لقاءهما الأول كان عند نبعة ماء، حيث أرسلتها جمعة من النساء لتشتري غنماً من كثير، فأحبها، وأعطاها كبشاً وردها إليهنّ دون أن يأخذ مالها. وأما الحكاية التي اشتهرت عن لقائهما فهي قصة واحدة على ثلاثة أشكال: اتفق أن زوج عزة طلب منها ليلة أن تقبس ناراً، وفي نسخة أخرى، أن تطلب سمناً، فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج أدواة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحادثان فلم يشعرا حتى غرقت أرجلهما. ولما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن، وأقسم عليها فأخبرته، فحلف عليها أن تخرج وتشتم كثيراً بحيث يسمعها، ففعلت ذلك. خليلي هذا ربع عزل خزانات. والقصة الثانية لها الحبكة نفسها: طلب زوج عزّة منها أن تجيء بشيء من الطعام كان ينقصهم، فوصلت وهي تطلب ذلك إلى خيمة كثير، وكان يبري سهاماً، فلما رآها جعل يبري ساعده دون أن يدرك ما هو فاعل. وتقول القصة إن عزّة دخلت عليه ومسحت الدم بثوبها، ولمّا عادت إلى زوجها، جنّ من رؤية الدم، وغضب عندما عرف مصدره، فحلف أن تخرج وتشتم كثيرأ. كلا القصيدتين تسردان بيتين لكثير، ينعتان زوج عزّة بالخنزير، ويطمئنان عزّة أن شتائمها مقبولة منها، مع أنه يعرف أنه عزّ عليها النطق بها، والبيت الأول: يكلّفها الخنزير شتمي وما بِها هواني ولكنَّ للمليكِ استزلّتِ هنيئاً مريئاً غيْرَ داءٍ مخامرٍ لعزّةَ من أعراضنا ما استحلَّتِ فشتيمتها له، وإساءتها عنده مثلها مثل إحسانها، كما يقول في موضع آخر "أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة. "