masonicoutreachservices.biz

masonicoutreachservices.biz

ما هو الغلو

Wednesday, 03-Jul-24 15:11:45 UTC

قال ابن كثير: "ينهى تعالى أهل الكتاب عنِ الغُلو والإطراء (التجاوز في المدح)، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا حدَّ التصديق بعيسى ، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه، ممن زعم أنه على دينه، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقا أو باطلا، أو ضلالا أو رشادا، أو صحيحا أو كذبا". ونبينا صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أمتنا ستقلد وتتبع الأمم السابقة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ (سبيلهم ومنهاجهم) شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوه، قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُود وَالنَّصَارَى؟ قال: فَمَن؟! ) رواه البخاري. ما هو الغلوتين. قال القسطلاني: "(جحر ضبّ لسلكتموه) الضبّ حيوان بري معروف.. وخصّ جحر الضبّ بذلك لشدّة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم، قاله ابن حجر ". وقال الطيبي: "قوله: ( سنن من قبلكم) السنن جمع سنة وهي الطريقة حسنة كانت أو سيئة، والمراد بها ها هنا طريقة أهل الأهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم، من تغيير دينهم وتحريف كتابهم.. وقوله: ( شبرا بشبر) حال.. قولهم: (اليهود والنصارى؟) أي: أتعني من نتبعهم اليهود والنصارى؟ فأجاب: ( فمن؟) أي إن لم أردهم فمَنْ سواهم؟!

ما آثار الغلوّ على الفرد والمجتمع - موضوع

أمَّا بعد: فالغلوُّ في الدِّين في بني آدم قديم منذ قِدَم الأديان، وإن كان يَختلف في نوْعِه؛ لكن يجمع البشرَ اشتراكُهم في أصله؛ قال ابن عبَّاس في قوله - تعالى -: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]: "أسْماءُ رِجَالٍ صَالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهمْ أنِ انْصِبُوا إلى مَجالِسِهِم الَّتي كانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسمُّوهَا بِأسْمائِهمْ، ففَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إذا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ"؛ رواه البخاري. فغلت طائفة من قوم نوح في هؤلاء الصَّالحين حتَّى عبدوهم، ولا زال الغلوّ في بني آدم من بعد ذلك، وممَّا أخبرنا به ربُّنا - عزَّ وجلَّ - في غلوّ مَن سبقنا قولُه تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: 171]، فلا زال الغلوّ في النَّصارى حتَّى اتَّخذوا المسيح وأمَّه إلهين من دون الله.

كما أنّ الغلوّ قد يكونُ بالفِكر، فترى الذين يُغالونَ في تطرّفهِم الفكريّ ويُصدرونَ الأحكام التي ما أنزلَ اللهُ بها من سُلطانٍ، وبسبب الفهم السقيم للأمور قد يجرّونَ الويلات على أنفسهم وعلى المُجتمع، فهُم قد لا يحترمون الآخرين، بل قد يرونَ كُلَّ مُخالفٍ لهُم في الرأي إنساناً لا يستحقُّ الحياة أو هوَ مُتطرّفٌ، ويجب التخلّص منه وهذا هو بعينهِ الغلوّ والتطرّف والفساد في الأرض. ومِن نيرانِ الغلوّ ورحِم التطرّف الفكريّ والتشدد العقليّ خرجتَ الجماعات التي ألّهت أفكارها واستبدّت بآرائها، فحكمت على الآخرينَ بالخطأ والفشل والرجعيّة، ونصّبوا أنفسهم أرباباً للحقّ وحُماةً له، والغلوّ مما لا شكَّ أنّهُ يقتل التنوّع في المُجتمع، ويقضي على الإبداع الفرديّ والجماعيّ، كما أنّهُ يجعل الشخص مبغوضاً عند الناس لتعاليه عليهِم برأيه واستبداده به، والغلوّ هوَ في نهايةِ الأمر نارٌ لا تأكلُ إلاّ أصحابها.