هذه هي صورة الواقع، فهل نسأل الوزارة عن معنى المواءمة؟ ما يجدر ذكره ولا تفسير له عندي أو إجابة واضحة، أن الوزارة هي المعنية بالتوطين، وشرط السعودة يمنح المؤسسة أو الشركة تسهيلات التوطين أو يحملها عواقبه، فالمنتفع الأول من تحقيق نسب التوطين هي الوزارة التي تتحقق لها مؤشرات الأداء، والشركة التي تحقق متطلبات التوطين.
إذن: المسألة ليست مجرد تسجيل مهني، بل مسألة وجود مهني أصلا، كيف لنا في الجامعات أن نعلم الطلاب الاستقلال المهني والجمعيات المهنية المستقلة والمتعارضة والخطوط الثلاثة، ثم نأتي في الواقع لنجبرهم جميعا، باختلاف تخصصاتهم، على التسجيل في مهنة واحدة، متجاهلين كل الجمعيات الأخرى وكل ما يتبعها من مؤسسات دولية ومعايير ومفاهيم متعارضة مع كل ما يمارسونه من عمل، وما تعلموه من مفاهيم.
فهذا التخصص لا يخدم فقط مهنة المحاسب القانوني، التي تشرف عليها هيئة المحاسبة والمراجعة، بل يخدم تخصصات أخرى عديدة، من مثل تخصص المراجعة الداخلية، وتخصص المحاسب الإداري، وتخصص الضرائب والمراجع الحكومي، وتخصصات المحاسبة الحكومية، وغيرها مما لا علاقة لهيئة المحاسبة والمراجعة به. وسبق أن أوضحت هذا في لقاء مطول مع وكيل الوزارة. ورغم تفهمه الوضع، لكن لم يحدث أي تغيير في المسار، وبقي إثبات العضوية محصورا في هيئة المحاسبة والمراجعة. ونتيجة هذا الوضع، فمن المدهش حقا أن تطلب مؤسسة مهنية مختصة بإدارة المخاطر أن يقوم موظف لديها مختص بإدارة المخاطر حاصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال بالتسجيل كعضو في هيئة المحاسبة والمراجعة، بينما لا علاقة له بها ولا علاقة لها به. توطين مهنة المحاسبة. إن هذا يجعلنا نتساءل بشدة عن معنى المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، ومن فعلا يحدد ذلك؟ وما القاعدة؟ وإذا كانت مهنة مثل المراجعة الداخلية تنص جميع مواثيقها على أنه يجوز لكل حاصل على درجة البكالوريوس، وفي أي تخصص كان، أن ينضم لهذه المهنة. وإذا كانت المملكة قد اعترفت بهذه المهنة وخصوصيتها واستقلالها عن مهنة المحاسبة، فخصصت لها جمعية مهنية مستقلة بمجلس إدارة مستقل يرأسه رئيس الديوان العام للمحاسبة، ولها معايير عمل مستقلة واختبارات مهنية، فلماذا تصر وزارة الموارد البشرية على أن يقوم كل مهني يعمل في هذا التخصص بالتسجيل كعضو في هيئة المحاسبة والمراجعة حتى لو لم يكن حاصلا على درجة بكالوريوس المحاسبة، وتتجاهل عضويته في الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين؟ والحال نفسه مع تخصص المحاسبة الإدارية، الذي اعترفت به المملكة من خلال الاعتراف بجمعية المحاسبين الإداريين، التي لديها عضوية خاصة، ولديها اختبارات مهنية.