ولنأخذ هذه القصة من تواضعه صلى الله عليه وسلم: فقد كان عدي بن حاتم الطائي من الرافضين لدخول الإسلام، غير أنه كان له أخت قد خبرت أخلاق رسول الله صلى الله عليه وعرفته حق المعرفة عندما وقعت بين أيدي المسلمين في الأسر، فنصحته بأن يروح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن ثم يرى عظيم أخلاقه، وأخذت تدفعه إلى اعتناق الإسلام. فلما راح عدي إلى النبي في المدينة قام النبي باستقباله والترحيب به ترحيبًا كريمًا وأكرمه إكرامًا عظيمًا كما كان من عادته صلى الله عليه وسلم، وفي الطريق لاقى النبي امرأة عجوز فأوقفته طويلًا تحدثه في حاجة لها، فقال عدي في نفسه: والله ما هو بملك؛ لأن الملوك لا تتواضع هكذا، وتقف للناس وتسمع شكاوى المساكين في الطرق! ولما دخل إلى بيت النبي صلى الله عليه قدم له وسادة ليقعد عليها، فقام عدي بردها؛ لأنه لم يكن عند النبي غير هذه الوسادة، غير أن النبي عزم على عدي بالجلوس، وجلس النبي على الأرض؛ فتأثر عدي بهذا المشهد ولم يقم إلا بعد أن نطق بالشهادتين قائلًا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشهد بالحق للنبي صلى الله عليه؛ لما رأى من عظيم تواضع النبي، فليس مثله يمكن أن يكون إلا نبي كريم مبعوث من رب العالمين.
وقد عرض عليها الرسول الكريم الزواج من عبيد بن زيد الخزرجي وتزوجته ورحلت معه الي المدينة وهناك انجبت له طفلاً اسمته ايمن ومن ذلك الحين والناس ينادونها أم ايمن ولكن زواجها لم يدم طويلا فتوفي زوجها وعادت الى مكة لتعيش في دار السيدة خديجة بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كان تواضع النبي وأثره في كل من حوله من أكبر دواعي دخول الناس في الإسلام أفواجًا. ومع قصة قادمة بإذن الله.
وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر، وخباب بن الأرت، وعبد الله بن مسعود وخلق سواهم، وأولئك هم السابقون الأولون، وهم من جميع بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً.
ملخص المقال كيف نعظم النبي ؟ سؤال يتردد وليتحقق تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب بتقديم محبته على النفس والوالد والولد والناس أجمعين؛ إذ لا يتم الإيمان إلا بذلك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن الأمر بتوقير النبي r وتعظيمه يعني أن ذلك عبادة لله U وقربة إليه سبحانه، والعبادة التي أرادها الله تعالى ويرضاها من العبد هي ما ابتغي به وجهه، وكان على الصفة التي شرعها في كتابه العظيم وعلى لسان نبيه الكريم r. فأما الإخلاص في الأعمال وابتغاء وجه الله فيها فهو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معناها: لا معبود بحق إلا الله I. وأما متابعة النبي r فهي مقتضى الشهادة بأن محمدًا رسول الله، ولازم من لوازمها؛ إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقًّا: (طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع). حياء النبي صلى الله عليه وسلم| قصة الإسلام. وهذا كمال التعظيم، وغاية التوقير. وأيُّ تعظيم أو توقير للنبي r لدى من شكَّ في خبره، أو استنكف عن طاعته، أو ارتكب مخالفته، أو ابتدع في دينه وعبد الله من غير طريقه؟! ولذا اشتد نكير الله تعالى على من سلكوا في العبادة سبيلاً لم يشرعها، فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَاًذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].