ا لخطبة الأولى ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وهكذا -أحبتي في الله- تراهم دائماً وأبداً، تصل بهم المسألة أن يشربوا في قلوبهم العجل، عجل ضخم دخل في أنياط وشعيرات القلوب، عقوبة من الله رب العالمين. الحذر من خبيئة السوء في القلب أحبتي في الله: ليحذر الإنسان من خبيئة السوء في القلب، يتجمل الإنسان في العلانية بالدين أمام الناس، وإذا خلا بالله رب العالمين جعل الله أهون الناظرين إليه، قال صلى الله عليه وسلم: ( لأعلمن أقواماً يأتون يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بيضاء، يجعلها الله هباءً منثوراً، ألا إنما هم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، غير أنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). هذا هو الداء الخفي، خبيئة سيئة انطوت عليها القلوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! الدرر السنية. علاجها أن تقطع دابرها، وأن تستأصل سببها وموردها ومصدرها، نعم. إذا كان القلب مبتلى بحب الربا فلا علاج له إلا بقطعه، وإذا كان القلب يهوى الغناء فلا علاج له إلا بقطعه، أحرق أشرطة الغناء وأشرطة الفيديو التي فيها الرقص والغناء، لكن يأتيك الشيطان ويقول لك: لا تحرقها، استفد منها، سجل عليها أشياء مفيدة، ثم بعد ذلك إذا تركت ولم تكسر كما حطم موسى العجل الذهبي، وكان بإمكان موسى أن يأخذ هذا الذهب فيبيعه في سوق الذهب، ويأخذ المال يشتري به السلاح للجهاد، ولكنه حرقه ونسفه في اليم نسفاً، لكي يستأصله من جذور القلوب.
( والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور) والمراد بذات الصدور ، النوايا والخواطر التى تخفيها الصدور ، وتكتمها القلوب. أى: والله - تعالى - عليم علما تاما بالنوايا والخواطر التى اشتملت عليها الصدور ، فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على ثلاث جمل ، كل جملة منها أخص من سابقتها. وجمع - سبحانه - بينها للإشارة إلى أن علمه - تعالى - محيط بالجزئيات والكليات ، دون أن يعزب عن علمه - تعالى - شىء منها. وفى هذا رد على أولئك الكفار الجاحدين ، الذين استبعدوا إعادتهم إلى الحياة ، بعد أن أكلت الأرض أجسادهم ، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - ( وقالوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). البغوى: "يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور". ابن كثير: ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية ، والأرضية ، والنفسية ، فقال: ( يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) القرطبى: تقدم في غير موضع فهو عالم الغيب والشهادة, لا يخفى عليه شيء مما في صدوركم. الطبرى: يقول تعالى ذكره: يعلم ربكم أيها الناس ما في السموات السبع والأرض من شيء، لا يخفى عليه من ذلك خافية (وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ) أيها الناس بينكم من قول وعمل (وَمَا تُعْلِنُونَ) من ذلك فتظهرونه (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) يقول جلّ ثناؤه: والله ذو علم بضمائر صدور عباده، وما تنطوي عليه نفوسهم، الذي هو أخفى من السرّ، لا يعزب عنه شيء من ذلك.