الثاني: قول الشافعية أن الأبوين سواء في البر ، وهذا القول يقتضي وجوب طلب الترجيح إذا أمرا ابنهما بأمرين متضادين. وحكى القرطبي عن المحاسبي في كتاب الرعاية أنه قال: لا خلاف بين العلماء في أن للأم ثلاثة أرباع البر ، وللأب الربع ، وحكى القرطبي عن الليث: أن للأم ثلثي البر ، وللأب الثلث ، بناء على اختلاف رواية الحديث المذكور أنه قال: ثم أبوك بعد المرة الثانية أو بعد المرة الثالثة. إعراب" أمّا " و " إمّا ". والوجه أن تحديد ذلك بالمقدار حوالة على ما لا ينضبط ، وأن محمل الحديث مع اختلاف روايتيه على أن الأم أرجح على الإجمال. ثم أمر بالدعاء لهما برحمة الله إياهما ، وهي الرحمة التي لا يستطيع الولد إيصالها إلى أبويه إلا بالابتهال إلى الله تعالى. وهذا قد انتقل إليه انتقالا بديعا من قوله واخفض لهما جناح الذل من الرحمة فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة الله ، وتنبيها على أن التخلق بمحبة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إياهما به فيما يعلمانه وفيما يخفى عنهما; حتى فيما يصل إليهما بعد مماتهما ، وفي الحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير. وفي الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب; لأن الله أذن فيه ، والحديث المذكور مؤيد ذلك إذ جعل دعاء الولد عملا لأبويه.