﴿واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا﴾: كلام مُستأنف، واختار موسى فعل وفاعل، وقومه منصوب بنزع الخافض، أي: من قومه، فحذف الجار وأوصل الفعل، وسبعين مفعول به لاختار، ورجلا تمييز، ولميقاتنا جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال. ﴿فلما أخذتهم الرجفة﴾: الفاء عاطفة، ولما رابطة، أو حينية، وأخذتهم الرجفة فعل ومفعول به وفاعل. تفسير الشعراوي للآية 155 من سورة الأعراف - منوعات. ﴿قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي﴾: جملة القول مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وجملة النداء في محل نصب مقول القول، ولو شرطية، وشئت فعل وفاعل، والمفعول به محذوف، وأهلكتهم فعل وفاعل ومفعول به، والجملة لا محل لها من الإعراب، لأنها جواب شرط غير جازم، ومن قبل جار ومجرور متعلقان بأهلكتهم، وإياي ضمير منفصل معطوف على الهاء. ﴿أتهلكنا بما فعل السفهاء منا﴾: همزة الاستفهام حرف مبني لا محل له من الإعراب، وتهلكنا فعل ومفعول به والفاعل ضمير مستتر، وبما جار ومجرور، وفعل السفهاء فعل وفاعل والجملة لا محل لها من الإعراب، لأنها صلة الموصول، ومنا جار ومجرور. ﴿إن هي إلا فتنتك﴾: إن نافية، وهي مبتدأ، وإلا أداة حصر. ﴿تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء﴾: الجملة حالية، أي: مضلاًّ بها وهاديًا، ومن اسم موصول في محل نصب مفعول به، وكذلك ﴿من﴾ الثانية.
أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلا [م] الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما، وكمال علمهما، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق ، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عز وجل " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم " (1). فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد، دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر، ويتصرف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار، بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح. ثم قال مولانا عليه السلام: يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل، والملقى إليه أزمة الأمة، المعول عليه في لم الشعث وسد الخلل، وإقامة الحدود، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من البشر (2) مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا على فراشه، لما لم يكن يكترث له ولا يحفل به، ولاستثقاله إياه وعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها.
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: قوله: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا، اسْتِفْهَامُ اسْتِعْطَافٍ، أَيْ: لَا تُهْلِكْنَا، وَقَدْ عَلِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ بِجَرِيرَةِ الْجَانِي غَيْرَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾، أي: التي وقع السفهاء فيها لَمْ تَكُنْ إِلَّا اخْتِبَارَكَ وَابْتِلَاءَكَ أضللت بها قوما فاقتفوا وَهَدَيْتَ قَوْمًا فَعَصَمْتَهُمْ حَتَّى ثَبَتُوا عَلَى دِينِكَ، فَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا ﴾، نَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا، ﴿ فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ ﴾. تفسير القرآن الكريم مرحباً بالضيف
{الأعراف:142-145}. ثم ذكر بعد ذلك عبادتهم العجل في قوله: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ{وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. {الأعراف:149}. ثم ذكر رجوع موسى وعتبه على أخيه عليهما السلام في قوله: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. {الأعراف:150، 151} ثم ذكر توعد الله لعبدة العجل وفتح باب التوبة في قوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ.
والأخذ بالواقع هو الأعدل. وقول موسى عليه السلام: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ... هذا القول يعني: أنك يا رب قد جعلت الاختبار لأنك خلقتهم مختارين؛ فيصح أن يطيعوا ويصح أن يعصوا. والله سبحانه هو من يُضل ويهدي؛ لأنه مادام قد جعل الإِنسان مختاراً فقد جعل فيه القدرة على الضلال، والقدرة على الهدى. وقد بيّن سبحانه من يشاء هدايته، ومن يشاء إضلاله فقال: {... والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} [آل عمران: 86]. والسبب في عدم هدايتهم هو ظلمهم، وكذلك يقول الحق: {... والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} [البقرة: 264]. وهكذا نرى أن الكفر منهم هو الذي يمنعهم من الهداية. إذن فقد جعل الله للعبد أن يختار أو أن يختار الضلال، وما يفعله العبد ويختاره لا يفعله قهراً عن الله؛ لأنه سبحانه لو لم يخلق كلا منا مختاراً لما استطاع الإِنسان أن يفعل غير مراد الله، ولكنه خلق الإِنسان مختاراً، وساعة ما تختار- أيها الإِنسان- الهداية أو تختار الضلال فهذا ما منحه الله لك، وسبحانه قد بيّن أن الذي يظلم، والذي يفسق هو أهل لأن يعينه الله على ضلاله، تماماً كما يعين من يختار الهداية؛ لأنه أهل أن يعينه الله على الهداية.
وقال ابنُ عباسٍ وقتادة ومجاهد وابنُ جرير: إنَّهم أخذتهم الرَّجفةُ؛ لأنَّهم لم يُزايلوا قومَهم في عبادتهم العجل ولا نهوهم. ويتوجّه هذا القول بقول موسى: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ، وقوله: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي: ابتلاؤك واختبارك وامتحانك. قاله ابنُ عباس، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وغير واحدٍ من عُلماء السَّلف والخلف، ولا معنى له غير ذلك، يقول: إنِ الأمر إلا أمرك، وإنِ الحكم إلا لك، فما شئتَ كان، تُضلّ مَن تشاء، وتهدي مَن تشاء، ولا هادي لمن أضللتَ، ولا مُضلّ لمن هديتَ. الشيخ: والصواب أن يُقال في هذا: إنَّ هذا أمرٌ لم يُبين من كلام الله، ولا من كلام رسوله ﷺ أسباب ما وقع، فالقول فيه أن يُقال: الله أعلم، فإنَّ أخبار بني إسرائيل يدخلها الصّدق والكذب؛ ولهذا قال ﷺ: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، وقال: إذا حدَّثكم أهلُ الكتاب فلا تُصدِّقوهم، ولا تُكذِّبوهم، فقد يكون حقًّا فتُكذّبونه، وقد يكون باطلًا فتُصدِّقونه ، فالواقع أنَّها أخذتهم الرَّجفة، وحصل ما حصل، أمَّا الأسباب فالله أعلم بالأسباب، قد يكون بعض ما ذكروه، وقد يكون غير ذلك، حتى نجد نصًّا عن المعصوم ﷺ يُبين ذلك.