المقال إن الإرهابيين ينظرون إلى العالم من حولهم بعداء شديد وبعيون سوداء وقلوب ملؤها الحقد، ولذا فإنهم يفهمون النصوص وفق هذه النفسية والرؤية، إلا أن الأخطر من فهم الإرهابيين أنهم يجدون، أحياناً، في نصوص بعض العلماء والفقهاء ما يستندون عليه في آرائهم الإرهابية من طبيعة النفوس المتطرفة أنها تولع ببعض المسائل الفرعية وتضخمها، وتجعل منها منظاراً تنظر من خلاله إلى الأشياء، وميزاناً تحاكم الأمور كلها إليه، وهذا دأب الغلاة في كل زمان ومكان. فالخوارج، كما يحدثنا تاريخهم، ظنوا الدين كله محصوراً في فهمهم لمسألة الحاكمية، وكفَّروا المسلمين وأسالوا دماءَهم أنهاراً إرضاءً لذلك الفهم، والإرهابيون اليوم حصروا الدين بقضايا فرعية فهموها فهماً يتناسب مع نفوسهم المتطرفة، ومن أهم القضايا التي ظن الإرهابيون الدين محصوراً فيها، وقتلوا الناس مسلمين وغير مسلمين بسببها، هي فهمهم السقيم للحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب". فقضية إخراج المشركين من جزيرة العرب تشكل ركناً أساساً في خطاب تنظيم القاعدة الموجه إلى داخل المملكة العربية السعودية، ووسيلة لإثارة مشاعر البسطاء وكسب تعاطف العامة، إذ يزعم منظرو القاعدة أنه يجب إخراج غير المسلمين من كل شبر من أرض الجزيرة العربية ولو عن طريق العمليات الإرهابية، ولم يبالوا إلى أن قولهم هذا مخالف لفعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه، وعمل أئمة الإسلام.
تذكر –هداك الله- إذا أردت أن تحدث حدثاً أو تفعل فعلاً أنك تستطيع الآن أن تتحكم في نفسك أن تفعل أو لا تفعل، لكن إذا فعلت فإنك لا تستطيع أن تتحكم في تداعياته، ولا تستطيع أن تسيطر على نتائجه، وقد يكون هذا الفعل سبباً لتداعيات وأحداث هي شر مستطير على المسلمين، وتكون أنت السبب في كل ما حدث، ويكون فعلك ذريعة مسوغة لعدوان على المسلمين لا يستطيعون صده ولا رده، وذريعة لأهل الكفر يتسلطون بها على أهل الإسلام ويستبيحون بها ما لم يستبيحوه بعد من حرماتهم. تذكر –هداك الله- أن الشيطان لا يأتي الإنسان فيدعوه للشر باسم الشر ولكن يلبس عليه الشر بلبوس الخير فمنذ قال لأبينا آدم:"هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى" وهو يخاتل الناس ويلبس عليهم دينهم، ولذا فإن كثيراً من أهل البدع والأهواء قد تقحموها وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، وكم سفكت دماء وانتهكت حرمات ممن كانوا يرون أنهم بذلك يصلحون ولا يفسدون، فليست النوايا ولا الدعاوى دليلاً على صواب العمل فكم من وجوه في النار خاشعة كانت في الدنيا عاملة ناصبة. تذكر –هداك الله- أن وجود هؤلاء الأجانب ليس شيئاً طارئاً علينا فقد عاصرهم قبلنا علماء أعلام ولم يقولوا بمثل ما قلت، ولا دعوا إلى مثل ما دعوت، وجدوا وكان الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد بن عثيمين – رحمهم الله- وغيرهم، ألا يثير هذا في نفسك تساؤلاً حقيقياً هل هؤلاء الذين أعمارهم مع العلم أكثر من أعمارنا منذ ولدتنا أمهاتنا لم يفطنوا إلى ما فطنا إليه ولم يعلموا ما علمناه.